إذا كان التمرد الليبرالي هو بذور «الربيع العربي»، فإن السياسيين الإسلاميين جنوا ثمارا كثيرة من الخريف العربي، فانتخابات بعد انتخابات وعلى امتداد دول الربيع العربي سحقت الأحزاب الإسلامية منافسيها من الليبراليين، ففي تونس أول بلد جرت فيه الانتخابات بعد سقوط دكتاتورها، فاز حزب النهضة بأغلبية الأصوات في الانتخابات التي جرت في 23 أكتوبر، لاختيار مجلس وطني ووضع دستور جديد، وبعد ذلك بشهر فاز حزب العدالة والتنمية وحلفاؤه بأغلبية الأصوات في انتخابات المغرب، والآن وفي أهم انتخابات شهدتها الأمة العربية فإن الأحزاب الإسلامية تستعد في مصر للهيمنة على البلاد، كما نشرت صحيفة التايم اللندنية أمس. وفي أولى جولات الانتخابات الثلاث، فازت جماعتان إسلاميتان بأغلبية واضحة، حيث فاز ائتلاف بقيادة حزب الحرية والعدالة ب %37 من الأصوات، بينما فاز حزب النور ب %24.4. وجاءت الكتلة المصرية وهي ائتلاف من أحزاب ليبرالية في المركز الثالث ب %13.4. ويمثل حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان المسلمين، أما حزب النور فيمثل السلفيين. لماذا كان أداء قادة الثورة العربية من الليبراليين ضعيفا في الانتخابات؟ في القاهرة، وخلال فرز الأصوات، ظهرت مجموعة تفسيرات من الليبراليين تعبر عن خيبة أمل، وكانت مطابقة للتفسيرات في تونس، لم يكن لدى الليبراليين أكثر من ثمانية أشهر ليستعدوا للانتخابات، أما جماعة الإخوان فتمتلك خبرة ثمانين عاما في المجال السياسي، وتفوق الإسلاميون على الليبراليين بفضل دعم خارجي، وذهب تأييد الحكم العسكري في مصر حاليا والساخط على الليبراليين لدورهم الواضح في إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك لصالح الإسلاميين، واستخدم الإخوان والسلفيون دعاية دينية لكسب الناخبين الفقراء والأميين. وكل هذه التفسيرات تبدو معقولة، ولكنها ليست مقنعة تماما. فالسلفيون لم تكن لهم منظمة سياسية إلا منذ عشرة أشهر، ولم يكن الليبراليون يفتقدون للتمويل، فقد كان المليونير نجيب سويريس من بين مؤسسي الكتلة المصرية، وحتى إذا صدقنا فكرة أن الحكام العسكريين الحاليين فضلوا الإسلاميين على الليبراليين، فإن المحللين العالميين لم يجدوا دليلا واضحا على تزوير الاقتراع. وإذا ناقشنا إمكانية أن الإسلاميين يخدعون الناخبين، فسنكون كأننا نقول إن أغلبية مَنْ أدلوا بأصواتهم حمقى، وهذا يخبرنا شيئا عن موقف السياسيين الليبراليين تجاه دوائرهم الانتخابية، وربما يكشف سبب إخفاقهم. لقد تبين أن الإسلاميين يفهمون الديموقراطية بشكل أفضل من الليبراليين، فلم يكن حزب النهضة ولا حزب العدالة والتنمية منظمين جيدا فحسب، بل قادوا أيضا حملة قوية وذكية، وبعد أن انتشرت مزاعم بتخطيطهم لفرض حكومة دينية على النمط الإيراني في إفريقيا الشمالية، تحالف الإسلاميين مع أحزاب علمانية ويسارية وأعلنوا مبكرا أنهم لا يسعون لرئاسة أي من البلدين، وكما السياسيون الأذكياء في كل مكان استفادوا مما قدموه خلال السنوات الماضية بتوفير الخدمات الاجتماعية من مستشفيات وعيادات مجانية ومطابخ في الأحياء الفقيرة.واستخدموا الصلاح الديني ليؤكدوا للناخبين تقديمهم حكومة نظيفة خالية من الفساد. وحتى السلفيين الذين قدموا أجندة متشددة واستندوا إلى التاريخ الإسلامي في تقديم أنفسهم، وحازوا أصوات الناخبين لصراحتهم. والآن بعد أن أظهر الإسلاميون بفوزهم بمهارة في إدارة الانتخابات، هل سيثبت الإسلاميون أنفسهم كديموقراطيين جيدين الآن؟ حسنا هناك سبب للأمل، ظهر زعماء حزب النهضة وحزب العدالة بصورة مَنْ يسعى للصلح أكثر ممن يسعى للنصر، وسعوا إلى توسيع التحالفات وجلب مزيد من الليبراليين تحت مظلتهم، وقال بعض النقاد إن هذه حيلة، لكن الناخبين التونسيين والمصريين أكدوا أن ديموقراطيتهم أقوى من جميع الحيل.وبعد أن ظهر ضعف الليبراليين خلال حملتهم الانتخابية، هل سيلعب المهزومون وفقا للقوانين الآن؟ هذا سيتطلب القيام بدور بنّاء في مقاعد المعارضة في البرلمان بدلا من تقويض الانتخابات من خلال العودة إلى الشارع، ويجب عليهم أيضا الاستعداد للانتخابات المتوقعة في 2012 و 2013، ولا يزال لديهم الكثير من الوقت ليتعلموا أن يكونوا ديموقراطيين أفضل كالإسلاميين.