* تُخبرني إحدى المعلمات انه في حصّة لغتي ” المطوّر ” كان الحديث عن قياس مهارة الطالبِ في التعبيرِ عن الأسرة ككيان ينتمي إليه ويحدد وجوده في المجتمع ويلبي احتياجاته المعنوية والنفسية، فتحدثت طالبة في الصف الخامس بكل بساطة ب” أبي هو الذي يُحضِرُ الأشياء وأمي هي التي تطبخُ لنا ! ” فقط، هذا كل ما كان لديها عن أسرتها. هذه النظرة الوظيفية البحتة للأم والأب تعني شيئين إضافة إلى ركاكة مهارة التعبير نطقاً عند الطالب السعودي بلا استثناء، فحين يُعبّر عن الأسرة والمدرسة والمجتمع والجار والصديق من ناحيتها الوظيفية فقط ثمة غيابِ موحش وقاتل للجانب الإنسانيّ من علاقاتنا للدرجة التي يكبر الطفل وينشأ وهو يعتقد أنه جزء من هذا التشكيل فلا فن ولا موسيقى ولا رسم ولا مسرح ولا حوار. وفي ظل غياب كل هذه الدعائم لأنسنة الجيل فإن الأم ستبقى تطبخ والأب يحضر الأشياء حتى إشعارٍ آخر! * يستنفر المجتمع بأكمله عبر وسائل التواصل الاجتماعي والواتس اب والهواتف المحمولة وكل وسائل الاتصال لإيقاف قناة في اليوتيوب تقوم فيها فتاة مراهقة بتصوير الطالبات من داخل الحرم الجامعي في جامعة نورة، ويصفون الموضوع ” بالستر ” ويردفون وصاياهم بالدعاء لهذه الفتاة التي ظهرت في المقطع. أستغرب من مجتمع يتآزر بأكمله _ ولو بدون وعي _ على اعتبار المرأة عورة حتى وهي تتحدث محتشمة في مكان علم. أقدر ان ما فعلته صاحبة قناة اليوتيوب يعتبر تعدٍ على خصوصية الآخرين وجريمة اخلاقية لكنّ ما أتحدث عنه هُنا هو الفكر الذي يدير مجتمعاً يعتبر صورة امرأة في كامل وقارها ” فضيحة ” تستوجب الستر والصلاة والدعاء وحملات التويتر والفيس بوك ! هل ما زال الوقت طويلا على اعتبار المرأة كائن لا ” عورة ” وانسانٌ لا ” أنثى ” وضحيةٌ لا ” فضيحة ” ؟ * اقام مركز باحثات لدراسات المرأة ملتقى المرأة السعودية الذي كان عنوانه ” المرأة السعودية ما لها وما عليها ” والذي لخصّ توصياته التي تُشبه كثيرا توصيات أي ملتقى أجري قبل خمسين سنة إلى الآن !حيثُ تجاهل تماماً اقرار قانون لحمايتها من القضاء نفسه لأنه هو مشكلتها الحقيقية، فمجرد احتكامه للشرع لم يعد كافيا لأن مفردة الشرع عند معظم القضاة بات مجالا للاجتهاد والاحتساب لصالح التسلط الذكوري على حساب المرأة التي غالبا ما تكون الضحية، لكن أكثر التوصيات إثارة للسخرية هو ذلك الذي ينص على تضمين المناهج الدراسية حقوق المرأة الشرعية والنظامية، وكأنها لم تكن جزءاً من مناهج الدين التي دأبت على تلقيننا أن الاسلام أعطى للمرأة حقوقها وأنه يعاملها كانسان كامل الأهلية والوجود، لكنّ مشكلتنا هي أن يستمر ربط حقوق المرأة بالشرع في وقت يشهد العالم كله ربيع المطالبات بالحرية والحقوق والشفافية. إنّ ذلك الربط هو مشكلتنا الحقيقية ليس لأن الشرع قاصر عن انصاف المرأة بل لأنّ الرجل والفقه الذكوري هو المتحدث الرسمي لهذا الشرع منذ ما يزيد عن مئةعام شهدت فيها المرأة السعودية أدنى مستويات حقوق الإنسان وتم تهميشها وتعطيلها عن دورها التنموي والوطني بالفكر ذاته . سهام مُرضي