فارس ذينات المنطقة العربية وهي قلب الشرق الأوسط وقلب العالم لأنها مازالت قلب الصراع العالمي، ولا استمرارية لأي حضارة دون البقاء في هذه المنطقة أو السيطرة عليها، وستبقى تعاني الانقسامات تلو الحروب جراء انسياقها خلف القوى الدولية وإلحاقها ضمن مصالحها الذي يجعل صراع القوى الإقليمية في حالة الديمومة، وكان لوجود ما يسمى إسرائيل في قلب الوطن العربي في العصر الحديث سبب رئيس في بقاء حالة الصراع وعدم الاستقرار ومانع لولادة المشروع العربي التحرري التقدمي، ومما ساعد على ذلك نشوء كيانات عربية وليدة مرحلة الاستعمار للمنطقة كأدوات للقوى الدولية فكان نتاجها أسباب الربيع العربي من الاستبداد والتهميش والفقر والاضطهاد والانقسام بالدم على بعض، فأوجد الظروف الطبيعية لبدء مرحلة جديدة من التغيير تمثلت بما يسمى الربيع العربي رغبةً من الشباب العربي في النهوض من خلف التبعية طلباً للحرية والعدالة، فاستدركت القوى العالمية خطر المشروع العربي الجديد والرافض للتبعية لمصالح الغرب، ولأنها تملك من الإمكانيات والأدوات ما يسمح لها من التأثير على مسار هذا الربيع، فكان التغيير الذي يصب في خدمة مصالحهم في المنطقة وعلى رأسها أمن إسرائيل وديمومته وتحييد الهم العربي المشترك عن قضيته الأساس المتمثلة بوجود الاحتلال الإسرائيلي والمانع لقيام الدولة والمشروع العربي، فكان لأدواته المتمثلة في بعض الأنظمة العربية والمؤثرة في الإقليم وبما تملكه من إمكانيات مالية ضخمة قد وفّرتها في سبيل تشويه الربيع العربي وصبغه بالدم ودفع المنطقة إلى التقسيم لما هو أصلاً مقسم للمحافظة على إمبراطورياتهم النفطية وكراسي عمالتهم. استدركت القوى الغربية أن التنظيمات الإسلامية المتطرفة والمجموعات الإرهابية العقائدية أصبحت غير قادرة على احتوائها إلا من خلال تنظيمات الإسلام السياسي المعتدل في المنطقة العربية فكان الدعم لأجل صعودهم في مناطقهم نحو السلطة فتكون المواجهة بين الإسلاميين وهذه التنظيمات في محاولة لاحتوائهم وإدخالهم في منظومة الحكم المحلي وبالتالي السيطرة على أفعاله أو حتى ردود أفعاله من عمل إرهابي إلى ممارسة العمل السياسي، فكان الصعود المتسارع للإسلاميين (العلمانيين) في تركيا وبدعم أمريكي مما جعله الأنموذج الذي يبحث عنه مسمياتهم في الوطن العربي، أما حالة الاحتواء فمثالها ما كان في مصر باندماج السلفيين في العمل السياسي من خلال حزب النور. الربيع العربي في سوريا أخذ منحى آخر فظهرت في هذا الملف كل الصراعات سواء الداخل السوري بين مكوناته الاجتماعية والسياسية والاستدلال على ذلك خلافات المعارضة في رؤيتهم لمرحلة ما بعد الأسد وخلافهم في تشكيل مسميات لقيادة تلك المرحلة وتشكيل أكثر من حكومة انتقالية، والصراعات الإقليمية التي أصبحت واضحة تجلياته (السني – الشيعي)، والصراع الدولي والواضح أطرافه (أمريكا وحلفاؤها – روسيا والصين)، هذا التطور في الملف السوري الذي قد يطيل أمد الصراع في حضور كثير من السيناريوهات ولكن أخطرها هو التقسيم الذي يهدد الصفحة السورية من خلال تطور الاقتتال في داخلها إلى حرب تتنازعها الطائفية فيكون الملاذ لجميع الأطراف سواء الداخل السوري أو الإقليمي أو الدولي في محاولة للهروب من الانهزام والخروج من المولد السوري بلا شيء هو تكون الكنتونات الطائفية. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل سيتوقف قطار التغيير في المنطقة عند سوريا؟!! وهل التغيير مقصور على العرب؟!! وهل ستأمن إسرائيل ومصالح القوى الدولية عند هذا الحدّ من التقسيم؟!! المنطقة وفي عمقها التاريخي يظهر لنا الحلم الذي راود الملايين من الأكراد في إنشاء دولتهم بجغرافيتها وكيانها السياسي العرقي، هذا الحلم سيبدأ بالنهوض من بين ركام الصراعات المتعاقبة عبر التخاذل العربي وتسابقه في التبعية للصهيوأمريكي، حيث سينهض كردستان ليعبر كما غيره من الشعوب عن أحقيته في وجود دولته، والانقسام السوري الطائفي في دويلاته المتقاتلة سيعجل في مطالبة الأكراد بهذه الدولة وطائفيتهم، ونعلم جميعاً أن هذا الكيان البشري له امتداد نقي في شمال العراق وجنوب شرق تركيا وكذلك شمال غرب إيران، وعند النظر في خصوصيات هذه الدولة القادمة فإن قادم الأيام ستكون الصفحة التركية هي الحاضرة، وأكثر من عَمِلَ على هذا الملف هم الأمريكان والإسرائيليون حيث سينحازون إلى تكوين هذه الدولة الوليدة من خاصرة الصراع في المنطقة في ظل انشغال الدول الأخرى في المحافظة على كياناتها من التقسيم والثورات والاضطرابات، وستنحاز الدولة الوليدة في مواقفها لصالح الصهيوأمريكي فهم الضامن لبقائها وخوفاً من بقايا الدول العربية من إعادة المطالبة بضم ما اقتطع منها لصالح الدولة الكردية فتصبح الدولة الإقليمية التي ستحافظ على توازن الإقليم والمحافظة على المصالح الأمريكية وأمن إسرائيل، ولكن هذه الدولة لا تحقق هذا الحضور في المنطقة إلا بسقوط تركيا في فوضى الانقسام الكردي والمترافق مع الانهيار الاقتصادي بفعل أعمدته الرئيسة أمريكا وإسرائيل، ومن بعدها إيران في الفوضى والتقسيم أيضاً، ولكن هل يتوقف قطار التغيير في المنطقة عند هذا السيناريو؟!! وهل سينتقل إلى المملكة العربية السعودية لإضعافها وتقسيمها تمهيداً لصعود الدولة اليهودية وانتشار نفوذها وسيطرتها على المنطقة؟!! صفحات التاريخ الذي سيبقى مستمراً في التنقل عبر الأجيال سيذكر لنا ما هو قادم…!! والله أعلم.