هناك ألفاظ تتردد في الاستعمال وعلى ألسنة الناس بكثرة، ولكثرة تردادها تفقد معانيها، وعادة فإن أصعب الكلمات تعريفا هي أكثرها استعمالا، وأكثر المصطلحات إبهاما هي ما يظن الناس أنها أكثرها بداهة، ولذلك لا تجد اثنين يتفقان على معنى الحب أو تعريف الصداقة، ومثلها أيضا لفظ السعادة، فهذه الكلمة حلم الجميع ويختلف الكل في تحديدها وفي مصدرها، والكل يردد عبارات محفوظة في حياته بشكل يبدو أنه مقتنع بها ولكن أموره الحياتية تختلف عن قناعاته التي يرددها، والكل يقول إن السعادة ليست في المال ولا تشترى بالمال ولكنهم يركضون وراء المال بعضهم بحق وكثير بغير وجه حق، والذي يناور يبرر ذلك بأنها لدفع الحاجة وتأمين الحياة والأكثر صراحة يقول أن أكون تعيسا بمال خير من أن أكون سعيدا معدما. التقرير العالمي عن أكثر شعوب العالم سعادة الذي صدر قبل أشهر وضعه معهد الأرض في جامعة كولومبيا بتكليف من الأممالمتحدة ويشمل 156 دولة، وجاء في مقدمة الشعوب السعيدة الدول الإسكندنافية الدنمارك والنرويج وفنلندا، التي تؤكد شعوبها أن سبب سعادتهم ليس المال أو الرفاهية وتأمين الحياة الكريمة لكل مواطن من كل النواحي، ويدللون على ذلك بأنهم كانوا سعداء حتى قبل الرفاهية الاقتصادية في السبعينات والثمانينات ويدفعون الآن أعلى ضريبة في العالم بصدر رحب، ويرجعون سعادتهم إلى الأمن والأمان وثقة الشعب بحكومته وثقته بنفسه ورضاه عنها، وهذه المعايير الخمسة وضعها البروفيسور بيورنسكوف المتخصص في علم الاقتصاد من جامعة أورهوس في بحثه عن مقومات السعادة، في حين اعتمد تقرير جامعة كولومبيا على معيار اسمه درجة تقييم الحياة معتمدا على مجموعة من العوامل كالصحة والأمن الأسري والوظيفي والضمان الاجتماعي والوضع السياسي والفساد، لكني أتصور أن السعيد ببساطة هو من وضع معادلته الخاصة ليعيش سعيدا ولا يشغل نفسه بالبحث عنها، فلا الإسكندنافيون الذين تربعوا لسنوات على عرش الأكثر شعوب العالم سعادة ولا خبراء جامعة كولومبيا استطاعوا فك التسابك بين السعادة والمال فهم مجمعون على أن المال لا يجعل الشعوب سعيدة ولكنهم يضعون الدول الفقيرة في ذيل قائمة الشعوب التعيسة، ومن المؤكد أن من يضع معايير أو يبحث عن تعريف للسعادة ليس هو السعيد.