أقصر و أجمل رثائية: ( زهرةٌ، أغوت الريح أن تنقل الرائحةْ / ماتت البارحةْ )، و لصاحبها من الشعر الجميل كثير: (لا أنحني/ إلّا لأحضن موطني / أنا صدر أمٍّ مرضعٍ تحنو، و جبهة مؤمنِ)، أظننا ظلمناه كثيرا، إنه أدونيس، الذي أردنا دائما امتداحه كناقد، فأثقلنا في القول، و طربنا مطمئنين لسماع هذا القول الثقيل على ما به من إجحاف : « هو ناقد ثقافي و أدبي كبير، لكنه ليس شاعرا كبيرا «، و ياما تدارك و استدرك أحدنا : « أحبه كناقد و لا أحبه كشاعر»، أعترف معتذرا، كنت ممن يقولون هذا القول، وأعتذر معترفا، كنت أقولها بطمأنينة لسان لا ضمير، كأن في قولها بهرجة لا تقاوم، أفكّر في الأمر بعد كل هذه السنين، فأعجب من المِنّة فيما هو حق للرجل، كأننا نرفض تكريمه بغير إهانة غامزة لامزة، هو إن استحق التكريم كناقد نجح في زلزلة ثوابت كثيرة، و برع في تحريك سواكن عديدة، فإن هذا التكريم لا يتطلب، بل لا يسمح، بإهانة منجزه الشعري الضخم الفخم، بعبارات مشكوك في نزاهتها ، لا سند لها إلا تكرارها، كأن تكرار الشيء يثبت صحته، تماما كما في إعلانات مساحيق الغسيل و معاجين الأسنان و غيرها، عبارات هي من فرط التعليب و التكرار منتهية الصلاحية المشكوك في صحة أن تكون لها بداية أصلا، ربما أردنا أن نشكو إليه عمقه الشعري، الذي يدخلنا أحيانا فيما يشبه الدهاليز، الأمر الذي يشعرنا بالحرج أمام معانيه، فامتدحنا نقده و اختياراته الشعرية المنتقاة بعناية بالغة و رهافة بليغة، فهو في كتاباته النقدية يتبسّط، و في اختياراته يتوسّط، و ربما أراد كثير من الشعراء، و أعترف أنني منهم ، إزاحته من تفكير الناس حين يفكرون بمدى تأثيره عليهم كشاعر، لا لشيء إلا لسطوة ذلك التأثير فيهم و عليهم، فاجتمعنا عليه نرفضه جمالا و تأصيلا، مع من يرفضونه جملة وتفصيلا ..!