ما تعرفه عن الولاية الأمريكية الشهيرة (تكساس) يجب أن يتغير بمجرد قدومك إلى محافظة حفر الباطن، والاسم الذي أطلقه (الهنود الحمر) على ثاني أكبر الولاياتالأمريكية تكساس يعني في لغتهم الأصدقاء، أصبح يعني في حفر الباطن شيئا آخر عند كثير من الشباب وعشاق هواية (التفحيط). فإذا كنت لا تعرف (تكساس) فقد (فاتك نصف عمرك) على حد تعبير الشباب، وأصبحت في نظرهم جاهلا بأحد أهم المعالم الشبابية في المحافظة، التي يرونها المتنفس الحقيقي لهم أمام التجاهل الكبير الذي يجدونه من المؤسسات الحكومية، وفي ظل غياب المضامير الرسمية التي تحتضن هذه الهواية.سعت «الشرق» إلى أن (لا يفوتها شيء)، وحاولت أن تقترب من (تكساس) وعالمها المثير في حفر الباطن، ورصدت الكثير من الآراء والتوجهات.
لماذا (تكساس)..؟ أطلق اسم ( تكساس) على حلبة إسفلتية تبعد عن حفر الباطن نحو 95 كيلو مترا، على طريق الدمام وتحديدا قرب هجرة أم كداد، وهي عبارة عن عدة ميادين قديمة كانت مركزا للقوات الأمريكية أبان حرب الخليج، لكنها تحولت أخيرا إلى حلبة شهيرة يقصدها عشاق (التفحيط) من كل مكان، حتى اشتهرت في الأوساط الشبابية، وأصبحت معلما بارزا تقام فيه الأنشطة والممارسات الترفيهية بعيدا عن أنظار الأجهزة الأمنية. وعن سبب إطلاق تسمية (تكساس) على الحلبة، يوضح أحد هؤلاء الشباب (من هو): «أطلقنا هذا الاسم على اعتبار أن الحلبة بعيدة عن الأنظار وفوضوية وتخلو من النظام مثل الولاية الأمريكية الشهيرة».
مطالبة بحلبات معتمدة اتفق الكثير من مرتادي الساحة على ضرورة الالتفات لهم ولهواياتهم، وإقامة حلبات معتمدة تغنيهم عن ممارسة (التفحيط) في الشوارع، الأمر الذي يجعلهم ملاحقين باستمرار من أجهزة الأمن، مشيرين إلى أن اعتماد (حلبة الريم) في الرياض يمنحهم الأمل في تعميم هذه الثقافة لجميع المدن والمحافظات السعودية حتى تنتهي معاناة الشباب من شبح المطاردات والمغامرات.
الساحة خارج صلاحية المرور إلى ذلك، نفت الأجهزة الأمنية بالمنطقة الشرقية علمها ب (ساحة تكساس)، وطلب الناطق الإعلامي لمرور المنطقة الشرقية المقدم علي الزهراني، إرسال تساؤلات «الشرق» على الفاكس، ووعد بالرد عليها، إلا أن جميع المحاولات بعد ذلك باءت بالفشل حتى يوم الإثنين الماضي. في حين أظهر مدير مرور حفر الباطن المقدم ضيف الله شبيب الجبلي استغرابه من مسمى هذه الحلبات الإسمنتية، نافيا علمه بوجودها قبل سؤال « الشرق»، ورفض الإجابة عن التساؤلات التي تخص هذه الساحة، معللا ذلك بأنها تقع خارج صلاحيات إدارة مرور حفر الباطن. وقال: «الكدادية تابعة لمرور قرية العليا ولا نستطيع إبداء أي رأي حيال هذه الساحة»، مضيفا أن مرور حفر الباطن يبذل جهودا كبيرة للسيطرة على هواة التفحيط، كاشفا عن وجود خطة أمنية بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية لتوعية الشباب المفحطين بخطر ممارسة هذه الهواية، وإرسالهم إلى مستشفى الملك خالد في حفر الباطن للاطلاع على مصابي الحوادث. وبيّن المقدم الجبلي أن معدل المقبوض عليهم من الشباب المفحطين بلغ 35 شابا في اليوم الواحد وفق إحصائية شهر رمضان الماضي.
إدمان رائحة الإطارات من جهته، اعتبر الباحث في (ظاهرة التفحيط) الاختصاصي النفسي فيصل إبراهيم آل عجيان؛ أن الظاهرة «أصبحت ممارسة ملاحظة في الكثير من شوارع وساحات مناطق المملكة، وسجلت نفسها في صدارة قائمة أخطر المخالفات المرورية». ويعزو آل عجيان أهم الأسباب التي تؤدي بالشباب إلى ممارسة هذه الهواية لعوامل نفسية واقتصادية وأسرية مرتبطة بهذه الفئة العمرية، وقال: «إنه بمجرد قطع مسافة تسعين كيلو مترا يوميا، فهذا دليل على شعور اللهفة لممارسة التفحيط، فعلى الرغم من أنه نوع من مخالفات السير المروية إلا أنه يعتبر سلوكا يدرسه علم النفس من حيث المعارف والعمليات العقلية والدوافع التي تتحكم بشكل أساسي في إيجاد الفكر النفسي الخطأ لدى هؤلاء المفحطين، وهي التي تتملك الشاب المفحط وتقوده لهذه الممارسة الخطيرة». وأَضاف: «يعتبر توافر المثير الاشتراطي هو من يدفع الشباب للهفة نحو التفحيط كرؤية سيارة مجهزة أو وجود ساحات كبيرة تشجع على ممارسة هذه الهواية». وعن أسباب شيوع المسميات والألقاب الغريبة بين شريحة الشباب المفحطين، قال: «هذه المسميات تشكل الموضة وتلعب دورا في بناء الاتجاه والميول نحو التفحيط لأن هذا الاسم الغامض أو الفني يسهم في رسم ملامح الفضول عند المتلقي لمعرفة المعنى والركض وراء حل هذا اللغز بالمعرفة والتجربة والتشجيع». وزاد آل عجيان: «التفحيط قد يتعدى كل هذه التفسيرات ليصل لحد الإدمان سواء بالممارسة أو المشاهدة، بل إن هناك دراسات قائمة لمعرفة عمّا إذا كان هناك خصائص إدمانية لاسيما الرائحة المنبعثة من السيارات الرياضية والناتجة عن احتكاك الإطارات بالرصيف، فهذه المادة المكثفة قد تكون لها قوة إدمانية تسبب وجود الاتجاه الإيجابي نحو التفحيط لدى المتجمهرين للمشاهدة».