حكاياتنا مع الكتب التي ترتبط بها أرواحنا تشبه حكايات الحب؛ فهناك كتب يشبه اللقاء بها تبرعُم الحب في فترة الطفولة، حيث دهشة الشعور الأولى، والاكتشاف الأوَّل، والإمساك بمقبض أول باب يقودنا إلى عالم القراءة الفسيح في رحلة تشبه المغامرات الحالمة التي اجتازتها «أليس في بلاد العجائب» بعد أن فتحت الباب المؤدي إلى الغابة المسحورة. وهناك كتب نصادفها فيما يشبه حب المراهقة؛ مفاجئا، عنيفا، عنيدًا، كثيفا، وقد نكتشف بعد أعوام قليلة كم كنا ساذجين سطحيين حين وقعنا في غرام كتاب لم يكن يستحق جنوننا به، وأخرى تشبه علاقتنا بها حب فترة الشباب الأولى؛ حيث الحلم، والطموح، والرغبة في المعرفة، والتوق إلى شيء جديد، وهكذا تختلف علاقتنا بكل كتاب يؤثر فينا وفقا لتطور شخصيَّاتنا ونضجنا الفكري والمعرفي بمرور الأيام والأعوام. وحين يصطفينا الجنون الأدبي تتمرد رغبتنا في قراءة كل كتب العالم لشحن أقلامنا بروح جديدة وحماية أسلوبنا من الترهل والشيخوخة على فكرة أن يحتكر إخلاصنا كتاب واحد، وبهذا نجد أنفسنا مدينين لأكثر من كتاب ساهم بانعطافة جديدة في مسارنا الفكري والأدبي. عني أنا صادفني أول كتاب أثار انقلابًا حقيقيًا كبيرًا في ذهني بعد تجاوزي عامي الثاني عشر من العمر بقليل، وكان كتاب مسرحية «السلطان الحائر» ل «توفيق الحكيم»، وأعتقد أن تأثري الهائل بهذا الكتاب هو الذي دفعني بقوة للتدحرج في هاوية هستيريا القراءة دون توقف، بعد أعوام أخرى خطفت رواية «العطر» ل «باتريك زوسكند» أنفاسي، وأذهلتني رواية «1984» ل «جورج أورويل» حد الرُّعب لأنها قرأتني بدرجة كبيرة قبل أن أقرأها!! وقبلها كان لرواية «حضرة المحترم» التي أبدعها «نجيب محفوظ» و«كوابيس بيروت» ل «غادة السمان» نصيب من تكرار القراءة مرَّات يصعب على ذاكرتي حصرها.