يخرج السجناء الذين يشملهم العفو من الحيطان الأربعة إلى سجن الحياة الصادم والمدمر لشخصيته كإنسان والمؤلم لأسرته، من واقع معايشة أكتب عن البُعد الإنساني والتأثير المعنوي الذي يثقل أقدام السجناء بل يوغل في سوداوية الحياة وقيمتها التي لا تساوي عند رب العزة والجلال جناح بعوضة. كنت أعتقد أن السجناء الذين يشملهم العفو في مثل هذه الأيام من كل عام يعيشون فرحة طاغية بنيلهم حرية الحياة الجديدة، واكتشفت بكل أسف أن خروج السجين يزيد من مساحة الألم وينثر ملح الهم على جراح القلب ويزيد من نتوءات الزمن على جدار حياته البائسة. هل تصورتم مثلي حال السجين وهو يخرج من بوابة السجن متثاقلا يجر قدميه جرّا، وينظر حواليه، كأنه يبحث عن ممرات أخرى نحو العالم الذي يحاصره بالهموم والوجع؟ تعرفون لماذا تزيد أحزان السجين مع نبأ إطلاق سراحه؟ لأنه يعرف أن باب منزله لا يحتمل طرقات اليد النحيلة وصوته المبحوح لا يصل، ولا يعرف كيف يوزع نظراته على أطفاله وبقية أفراد أسرته، ماذا يقول لهم ليلة العيد: العين بصيرة واليد قصيرة؟ ماذا يفعل أمام عيون أطفاله وهم يترقبون عودته؟ كيف يؤمن حلوى العيد؟ كيف يوفر لهم الكساء والغذاء وهو خارج للتو من سجن القضبان الحديدية إلى سجن المجتمع الذي لا يرحم ولا يحس ولا يعرف عن التكافل الإسلامي شيئاً؟. التقيت ببعض السجناء الذين خرجوا للتو وفهمت سر تلك النظرة التشاؤمية، وذلك الانحناء الإجباري لعاصفة الزمن الذي لا يرحم ولا يعرف “إحم، إحم”؟… غدا نكمل الحكاية.