مما لا شك فيه أن التيار الذي يأخذ العقلانية منهجا يقرر من خلاله خطابه التنويري فإن هذا التيار سيكون قادرا – بطبيعة الحال – على مجابهة كل أنواع التطرف الفكري التي تعيق تقدم مهمة التنوير في البلدان العربية على وجه الخصوص. إن شعارات من مثل قبول الرأي الآخر، والتسامح، وحرية المعتقد والفكر، والتعددية، والاتصال بالغرب.. هي مبادئ تتخذ من العقل مدلولا لتقدمها وبالتالي ستكون الصورة التنويرية ذات قيمة خصبة تستطيع أن تبرهن على صياغة أفكارها التقريبية وفق مهمتها المنطلقة من حقائق أنموذجية ومستقبلية. لا يمكن لمهمة التنوير أن تعبر حدود التفكير الأحادي إلا حينما يكون هناك فهما جيدا وواقعيا لمعطيات الحياة، ذلك أن التفكير الأحادي في مهمة تنويرية كهذه يفقدها الانتشار كمشروع لابد له من أن يؤسس أفكاره في كل مساحة من مساحات البيئة التي يريد رصدها وإحاطتها بالخطط الفكرية والثقافية. ندرك تماما أن مشروع التنوير في البلدان العربية لم يكتمل، وأن وراء ذلك إعاقات تبنتها جماعات تخوفت كثيرا من ردة الفعل من هذا المشروع الذي يدعو إلى أفكار هي بالأساس أفكار مثالية وتطويرية للمنهج العربي التعليمي والثقافي والسياسي، إضافة إلى التعصب الديني الذي أخذته تلك الجماعات كشماعة تعلق عليها عدم قبول أي فكرة غربية، كما أن الاستبداد السياسي الذي تبنته السلطة السياسية أعاق هذه المهمة، وكل هذا نتاج للعقلية الجامدة غير الواعية بأهمية التنوير كمنهج استقرائي وكمشروع تقدمي.