نملك المال الكافي، والإنفاق الحكومي الكافي بل والدعم أيضاً، ونملك المشاريع الكافية، لكننا لا نملك العقول الكافية لإدارة كل هذا، هذه هي الحقيقة التي نعجز عن مواجهتها ربما لأنها تمس بشكل أو بآخر أشياء لها أبعاد أخرى مثل التشكيك في قدرات إداراتنا وتحرّك أيضاً هواة الحديث عن الوطنية الذين ما زالوا يؤمنون بأن الإنسان السعودي قادر على الوصول إلى القمر لكنه فقط لا يريد ذلك لأنه يفضل التطعيس في طلعات البر على الرحلات الفضائية التي تعد مضيعة للوقت. ففي كل بلاد الدنيا التي نعتبر أنفسنا جزءا منها يعد رضا المواطن عن مستوى وجودة الخدمة التي تقدم له مؤشراً مهماً لنجاح إدارة ما، أما نحن فحتى غضب المواطن على الأداء الهزيل في بعض الإدارات الخدمية وصوته العالي لا يعد مؤشراً على فشل إدارة ما، فقائمة طويلة عريضة من مشاكلنا التي نعانيها تكشف ضعف إدارتنا وعدم مقدرتها على إدارة المشاريع وتقديم الخدمة بالشكل المرضي الذي يطمح إليه صانع القرار وكذلك المواطن مستقبل الخدمة، حيث لا يوجد هناك رضا عن أغلب ما يقدّم في القطاع الحكومي وبالذّات في القطاعات التي تمس المواطن مباشرة، وما حدث مؤخراً من انقطاعات متتالية للتيار الكهربائي في نهار رمضان وفي ليله وفي أوقات الذروة وخارجها دليل على أن العقول التي تدير شركة الكهرباء تلعب بعقولنا، ولا يمكن أن يقنع عقل مستهلك يدفع الشيء الفلاني كل شهر حتى إذا جاء الصيف ضاعت الوعود وعاد المواطن المسكين إلى عصر ما قبل النفط!. فالشركة السعودية للكهرباء قالت الكثير بعد دمجها منذ سنوات طويلة لكنها لم تقدم شيئا على أرض الواقع فكل مدننا لا تزال مزيّنة بأعمدة الخشب ومع كل هبة ريح تنطفئ الحياة، وعلى الشركة السعودية للكهرباء ألا ترسم خارطة جغرافية تقسّم فيها المواطنين حسب أهميتهم عندها، إذ يبدو من خلال التجارب أن الشركة لا تمانع أن ينقضي نهار سكان مدن الأطراف وهو بكامل حرارته وليلهم بظلام دامس فهم حسب تجارب الشركة على ما يبدو لديهم المقدرة على التكيّف ودفع الفواتير فقط لذلك فلا مانع من أن تمنحهم المزيد من الانقطاعات والوعود. والوعود هذه على كثرتها تجعلني أشعر بأن كل شيء لدينا تحت الإنشاء، أو أن بعض المدن ظهرت فجأة وعلى غفلة من كل شيء بالرّغم من أنها قائمة منذ أن قامت المملكة العربية السعودية وأنها في كل عام تعاني ومنذ زمن طويل من نفس الانقطاعات في التيار الكهربائي وتعاني أيضاً من نفس الوعود التي يطلقها المسؤولون . في الأخير أحب أن أبشّر مسؤولي الشركة أن سكان مدن الأطراف قد جرّبوا خلال سنوات مضت كثيرا من الحرمان والصبر واكتشفوا مؤخراً أن الوعود وحدها لا تشعل شمعة ولا تلعن الظلام!.