تخيلوا لو أن «ماجد عبدالله» لم يوجد قط. هل كان سيثير اهتمامكم وربما غيرتكم أن زميلكم في الفصل أو في العمل اسمه «ماجد عبدالله»؟ زميل بسيط وربما تافه تحترمه لأن اسمه «ماجد عبدالله». ليس لديه أي كفاءات أخرى. اسمه هو الشيء الوحيد المميز لديه. هذا هو الزيف: أن تكون قيمة الشيء ليست مرتبطة به، ولكن مرتبطة بأسطورة. ما هو شعور كل هؤلاء ال»ماجد عبدالله» المزيفين؟ لننس ماجد عبدالله الآن. والواقع أنه حين نشاهد مهاجمي المنتخب الوطني اليوم، فإنه يحق لنا أن نتخيل أن ماجد عبدالله لم يوجد قط. أقول لننس ماجد عبدالله ولنفكر في أسطورة أخرى: الحقيقة. قد يعتقد البعض بأن هناك تشابها بين «الحقيقة» التي جمعها «حقائق» و»الحقيقة» التي لا يمكن أن تجمع. مفردة حقائق هي جمع مفردة حقيقة التي معناها «حقيقة واقعة» أي تلك الحقيقة التي تعبر عن «حالة مستمرة» أي حقيقة لا يمكن أن تتغير أو لا يمكن أن تتغير بسهولة. مثل أن تقول «يرتفع مبنى (المملكة) 130 طابقا» أو «أن تقول «الدكتور خالد العنقري هو وزير التعليم العالي». هذه حقائق يتفق عليها الجميع. ثمة فيلم رائع لستيفن فيرز عنوانه «بطل» أو «بطل بالمصادفة». منذ المرة الأولى التي شاهدت فيها هذا الفيلم، أصبح سؤالا الحقيقة والزيف سؤالين محوريين في تكويني الشخصي وفي بنية كتاباتي السردية. يظهر فيلم ستيفن فيرز أن الوهم يمكن أن يسيطر على الناس لوقت طويل، وأن الشروط التي تصنع الحقيقة هي نفس الشروط التي تصنع الوهم. لكن ما هي الحقيقة إذن وكيف يمكن تمييزها عن الوهم والزيف؟ كيف أعرف الحقيقة؟ هل نحن معرضون للعيش وسط الأسطورة طيلة حياتنا؟ يؤسفني أن الجواب على هذا السؤال الأخير هو: نعم! لم أقابل قط أحدا اسمه ماجد عبدالله لا يشجع النصر، لماذا؟ الذين يعرفون «أسطورة الكهف» لأفلاطون لابد أنهم طرحوا على أنفسهم نفس السؤال. وهناك قصة أطفال عرفناها حين كنا صغارا. قصة العميان الثلاثة الذين كانوا يسيرون في الغابة وصادفوا فيلا. لمس الأول ساقه (ساق الفيل) وقال هذه شجرة. لمس الثاني خرطومه وقال هذا أنبوب. ولمس الثالث أذنه وقال شيئا لا أذكره. كل منهم عبر عن الحقيقة بطريقته، بحدود ما عرف. لكن ما هي الحقيقة؟ بعد أحد مقالاتي أنشأ بعض القراء «هاشتاق» على تويتر مخصص لشتمي. الحقيقة أنني سعدت بكل هذه الشتائم وشعرت بالغيرة تجاه هؤلاء الرجال والنساء الواثقين من أنفسهم. ألوم نفسي أحيانا لأنني أقل ذكاء منهم. قضيت العشرة أعوام الماضية من حياتي في الدراسة والسفر. ومع ذلك مازلت أجد صعوبة في قول جملة تقريرية واحدة. أصبح حلمي أن أقول جملة تقريرية واحدة، لن أثق بمعرفتي ما لم أقل تلك الجملة لكنني أعرف بأنني لن أقولها أبدا. هؤلاء الرجال والنساء عباقرة يستحقون الاحترام حتى وإن شتموني. هم عرفوا ما لم أعرف. عرفوا الحقيقة. تقول إحدى الفتيات اللواتي ينتمين إلى عالم العباقرة على تويتر، «مرزوق مشعان خريج علوم وأنا أقول وش جاب (الاتيمولوجيا) و»الجيانولوجيا» لموضوع الاختلاط». لقد فهمت. كل شيء أصبح واضحا بالنسبة إليها. من معلومة واحدة «خريج علوم»، صار بوسعها استنتاج الباقي. هذه الفتاة تستحق مني هدية كبيرة إذا علمتني بعضا مما تعرف وقالت لي بأن لا علاقة للكلمتين اليونانيتين أعلاه بموضوع الاختلاط. وقبل ذلك تستحق التقدير لأني أعتقد بأنها أصغر مني ومع ذلك فهي أذكى مني وفهمت ما لم أفهم. أحد العباقرة الشبان كتب: «يتكلف في الكتابة ويستخدم مصطلحات ويخلط في المفاهيم بغباء الجاهل المتشدق بزخرف القول إنه مريض يا سادة». هل تفهمون الآن لماذا يمكن أن يسيطر الزيف على عقل الإنسان طوال حياته؟ لقد عشت حياتي واهما لم أعرف بأنني غبي وجاهل ومتشدق وأخلط المفاهيم، والأخطر من ذلك أنني كنت طوال هذا الوقت مريضاً ولم أعرف ذلك. هذا الشاب عرف كل شيء لأنه قرأ لي فقط 600 كلمة. لكم أحسده على ذكائه! ولكم أنا ممتن له لأنه علمني أشياء لم أعرفها قط عن نفسي. حياتي ستنقلب رأسا على عقب وستتطور للأفضل وسيكون بوسعي أخيرا أن أكون شخصاً أفضل وواثقا مما أقول. طالما أن هناك أناسا بهذه الثقة فأنا أسير في الطريق الصحيح، وأتمنى للجميع هذا المصير. تخيل أن خطأ صغيرا ترتكبه ممرضة قد يبدل طفلي عائلتين ببعضهما. كلاهما اليوم في الثلاثين، وهناك خطأ ارتكبته ممرضة قد تكون ماتت. تخيل أن «المرآة قد خذلتك. أنت، ولست أنت، تسأل أين تركت وجهي؟»