“الطائفية تنتمي إلى ميدان السياسة لا إلى مجال الدين” برهان غليون في كتابه: نظام الطائفية من الدولة إلى القبيلة. إبان الحكم العثماني لسوريا كانت الطائفة العلوية في الجبال منعزلة عن التراب السوري ومتقوقعة بعيداً عن السنة والمسيحيين. ومع الانتداب الفرنسي بدأ اسمهم يظهر على المشهد السياسي، حيث بدأ الانتداب باللعب على الطائفية من خلال استغلال فقر وجهل الطائفة العلوية والعداوات القديمة بين الطوائف، ففي بداية الانتداب واجه الفرنساويون مقاومة علوية شرسة بقيادة الشيخ صالح العلي الذي خلد اسمه فيما بعد كبطل قومي. لكن سرعان ما سال لعاب الطائفة أمام المغريات فانخرط أبناء الطائفة في صفوف الجيش المحلي الفرنسي وبرز عديد من أعيان الجبل الذين تعاونوا مع الاستعمار، وتبنى الانتداب عدة محاولات لإقامة دولة علوية في الساحل. ولكن كعادة المستعمر في التخلي عن معاونيه المحليين؛ فبعد الاستقلال لم يظهر على قرى الجبل العلوي أدنى بوادر الكفاف؛ إذ تركوا يواجهون فقرهم وجهلهم. ففي 1950م كان في دمشق عشرة آلاف طفلة علوية بين سن السادسة والسابعة يخدمن في البيوت! لكن مع تطور الدولة هب أبناء الطائفة للدراسة والالتحاق في البعثات، والانخراط في الأحزاب السياسية الأمر الذي أوصل أحد أبناء الطائفة “صلاح جديد” لرئاسة الحكومة! فأصبح الأمر مغرياً أمام عطش الطائفة السياسي والاقتصادي..، فتجشم أبناء الطائفة جميع الطرق لتحقيق ذواتهم. وقد استفحل الأمر مع وصول حافظ لحكم سوريا كأول رئيس علوي ابن قرية القرداحة التي لم يكن بها آنذاك مسجد، وقد تحول عطشهم إلى حالة نهم مفرطة أمام تسهيلات ابن الطائفة (رئيس البلاد) الذي زج بسلفه وابن طائفته صلاح جديد بالسجن بعد أن نجح الأسد بالانقلاب عليه لتفادي مساءلة جديد له حول سقوط قنيطرة المخزي عندما كان الأسد وزير الدفاع، وبقي جديد بالسجن حتى مات 1993م. وخلال فترة قصيرة تسنم العلويون معظم المناصب القيادية لاسيما بالسلك العسكري وكذلك شكلوا تقريباً معظم الطبقة البرجوازية في البلاد. وكعادة النظام العلماني الاستبدادي، لم تصمد الدولة كدولة قانون، بل تحولت إلى دولة العائلة، فأصبح الولاء الشخصي هو المعيار لا الطائفة، وبالمناسبة عندما تقدم الأسد لأنسية مخلوف وهي علوية عارض والدها المنتمي للحزب القومي السوري كون الأسد بعثياً! بعد ذلك أصبح بيت الأسد هو اللاعب الوحيد وليست الطائفة التي أصبحت “بلد الريس” المنتفعة. وعندما دعم الأسد إيران ضد صدام استحضر البعض البعد الطائفي لكن الحقيقة أن الأسد كان يحمل ضغينة إزاء صدام لإفشاله مشروع الوحدة بين العراق وسوريا التي كان الأسد قد أقنع البكر بها. ظل بيت الأسد يقدم الموالين ويقصي الطامعين ولو كانوا من الطائفة فكانت الدائرة الضيقة للدكتاتور أو المدافعين عنه غالبيتها من السنة، كأسماء الأخرس زوجة بشار، عبدالحليم خدام، آصف شوكت، مصطفى طلاس، رستم غزالة، فاروق الشرع، البوطي.