يمرُ وعيُ الشعوب وحراكها وتفاعلها مع التحديث والمتغيرات وتعرّف الحقوق والمطالبة بها وأداء ضريبة المواطنة بمراحل تتشابه مع مراحل نشأة وتكوّن المولود منذ أن يبدأ أعراض حملٍ وحتى يصل مخاض الولادة، مروراً بالتكوين المرحلي نطفة ثم علقة فمضغة ويتخلق العظام ويُكسى لحماً ثم تنفخ فيه الروح ليكون خلقاً آخر ثم يخرج طفلاً، وبرغم اختلاف الفقهاء المسلمين عبر قرون عدة في مسألة أطول مدّة حمل، حددها البعض بسبعة أعوام كما يُروى عن الإمام الزهري، فيما يراها آخرون أقل، ويذهب البعض إلى أنه لا حدّ لأكثره، إلا أن الغالب أن مدة الحمل لا تزيد عن سنة واحدة، ومن المتفق عليه عند أطباء النساء والولادة في زمننا المعاصر بعد تطور علم الطب أن مدة الحمل لا يمكن أن تزيد عن السنة الواحدة، ويقرر الأطباء المختصين أن أكثر مدة يمكن أن يوجد فيها الجنين في بطن الأم هي (280) يوماً، أي تسعة أشهر وعشرة أيام ، ويرون أنه لو تجاوز هذه المدة في بطن الأم فإنه لا يمكن أن يخرج حيًّا، كون المشيمة التي تغذي الجنين تصاب بالشيخوخة بعد الشهر التاسع، وتقل كمية الأكسجين والغذاء المارَّيْن من المشيمة إلى الجنين فيموت، هذه المقاربة استشعرتُ أهميتها في الربط بين (حقيقة) تخلّق ونماء المواليد، وبين (مجاز) التجارب الانسانية وتعاطيها مع الديمقراطية والتحديث، فالحقيقة الحياتية البشرية المادية تظهر لنا ضمن ديالكتيك محسوم أمره وقلّ ما يختل نظامه، فيما تظل الحقيقة المعنوية قابلة للاختطاف وممكنة الاستئناف، تمر بحالات استعباد وتنجح أحياناً في تحقيق المراد، تخضع لمعطيات الوصاية في زمن، ويتنامى تمردها في ظل توفر تجانس جمعي وتوافق نخبوي في زمن آخر، والحديث عن التطوير والإصلاح اليوم لم يعد من باب الترف والنرجسية بل غدا من الحتميات التي لا مناص منها ولا عنها برغم يقيننا أن كل ولادة جديدة أو متجددة ستحمل معها آلام المخاض وشقاء الوالدة ووجع التحول من جنين مستتر محمول إلى كائن بشري قابل لتحمل تبعات خروجه، وانصهاره مع الحياة بكل مباهجها ومناهجها ووهجها، واليقين مؤكد أن حجم الجنين واكتماله واستواء بنيانه مؤشر على تعسّر الولادة وربما يلجأ الطب للقيصرة، وبما أننا في مجتمعنا السعودي نمر بمخاضات في كل موسم وتطول بنا أزمنتها كون الممانعين للتحديث والتطوير مؤثرين على الشارع وعلى القرار خصوصاً حين يمطروننا مع كل خطوة حراك إيجابي بالمخاوف المرتقبة والاحتمالات المتوقعة والمفاسد المتوهمة، وكم زحفنا بتوجساتهم خطوات للوراء بعد أن كان الصواب في التحرك بثقة للأمام، ولا أُبالغ إن قلتُ أن الدولة استقتْ من روح الإسلام انفتاحه وهذا سر استمراريته حتى اليوم، ولم يحقق الانغلاق مكاسب لأربابه ومعاونيه والمتحالفين مع حزبه سوى العنت وفوات الفرص وفي الحديث النبوي (فإن المُنْبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى).