استيقظ سكان مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين فجر 27 مايو ليجدوا أنفسهم تحت رحمة حكام جدد نصّبوا أنفسهم ولاة في إمارة زنجبار الإسلامية الاسم الذي أطلقه تنظيم القاعدة على المدينة منذ ذلك التاريخ. زنجبار وهي المقر الرئيس للسلطة المركزية لحكومة اليمن في محافظة أبين الواقعة جنوبا وقريبا من مدينة عدن عاصمة دولة الجنوب والقريبة من الممر الأهم لطرق الملاحة الدولية الناقلة للنفط من الخليج العربي، أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عن تأسيس أول إمارة له فيها خارج الحدود الجغرافية لدولة أفغانستان المركز الرئيس للتنظيم في العالم.يطلق عناصر التنظيم على أنفسهم اسم أنصار الشريعة وهو الفرع المحلي للتنظيم ويتبع القيادة المركزية لقاعدة الجهاد في جزيرة العرب ويضم عناصر قبلية من أبناء أبين الذين لا يخشون إعلان مساندتهم للتنظيم وأطروحاته وتم تنصيب جلال بلعيدي “ابوحمزة” أميرا لهم على إمارة زنجبار، وتتبع إداريا إمارة جعار التي يدير أميرها “أبو بشر” كل فصائل التنظيم في محافظة أبين. سيطرة على أبين اكتسح تنظيم القاعدة زنجبار بحشود كبيرة من عناصر التنظيم وأنصاره من العرب والأجانب واليمنيين، مستخدمين أسلحة مختلفة ثقيلة ومتوسطة وخفيفة حصل عليها من مصادر عديدة وسقطت المدينة بأيديهم وغادرها عناصر الأمن اليمني بين جريح وهارب وبقيت جثث القتلى شاهدة على بشاعة المعركة التي شهدتها المدينة ليلاً وانتهت بانتصار القاعدة على جنود الحكومة التي تترنح في الشمال بفعل حركة احتجاجات واسعة مناهضة لنظام الرئيس صالح.وحده اللواء 25 من قوات الجيش اليمني المزود بعتاد بشري وحربي كبير واجه القاعدة ليبقى أفراد اللواء، وعناصر القاعدة في المنطقة، وتسيطر القاعدة على وسط المدينة، ويسيطر اللواء25 على أطرافها، وترك سكان المدينة منازلهم وكل ما يملكون وفروا إلى عدن وأصبح أكثر من 100 ألف شخص لاجئين هناك.وحاصرت القاعدة اللواء 25 أكثر من 100 يوم ومنعت وصول الإمدادات له، لولا تدخل سلاح الجو اليمني والأمريكي لفك الحصار، وتمكن اللواء من الصمود ولم يسقط في أيدي التنظيم الذي سعى بقوة للسيطرة عليه والاستيلاء على أسلحته، حيث يمتلك اللواء مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة.تسيطر القاعدة على معظم محافظة أبين ولا وجود للدولة فيها باستثناء وجود رمزي في بعض المديريات التي تسيطر عليها قبائل موالية للنظام، بينما تخضع مديريات زنجبار- جعار- لودر- مودية- أحور- لسيطرة القاعدة إضافة للسلسلة الجبلية الممتدة من لودر إلى أحور.تمثل جعار القريبة من زنجبار وثاني أهم مديريات محافظة أبين صورة مصغرة لنظام الحكم الذي أسسته القاعدة في اليمن حيث امتزجت التكوينات القبلية بالفكر المتشدد لعناصر التنظيم ليخرج التنظيم بتوليفة مغايرة لما تعرف به القاعدة خارج حدود اليمن .
القاعدة تنفذ أحكامها لا يعترف عناصر التنظيم في جعار بالنظام القضائي اليمني ويقومون بنصب محاكم في الشارع العام، للفصل في قضايا جنائية حيث يتم قطع يد السارق وإعدام القاتل خلال ساعات فقط من إلقاء القبض عليه، دون أي مراعاة لشروط التقاضي أو حق المتهم في الدفاع عن نفسه لكن للتنظيم رأي آخر حيث يقول أبو ناصر الفهدي وهذه كنيته ويعد من قيادات التنظيم في إمارة جعار، إن شرع الله يطبق في القاتل ويتم منح أهل المجني عليه مدة يومين للصفح عن القاتل بعد أن يعترف بجريمته ثم يعدم بعد ذلك. أبو ناصر وهو من بين ثلاثة من عناصر التنظيم تحدثوا ل”الشرق” عبر وسيط قال، إنه تم تنفذ حكم القصاص بحق خمسة أشخاص أدينوا بالقتل العمد في “الإمارة” في حين تم قطع أيادي سبعة أشخاص أدينوا بالسرقة واعترفوا بذلك لكن مصدرا ذو صلة قال، إن أحد الذين تم قطع أياديهم طفل لم يبلغ سن الرشد وقد لقي حتفه متأثرا بنزيف حاد تعرض له ولم يتم إسعافه مبكرا لعدم وجود مرافق طبية مجهزة في المدينة.وخلافا لعدم اعتراف التنظيم بنظام القضاء يقوم بإدارة التعليم في المديرية وفق المناهج الحكومية المعتمدة من قبل وزارة التربية والتعليم اليمنية وبنفس طاقم التدريس السابق بل وذهب عناصر القاعدة إلى إلزام المدرسين بصورة حازمة على الالتزام بالدوام المدرسي الأمر الذي فشلت الحكومة سابقا في تنفيذه.شخص آخر من عناصر التنظيم تحدث ل”الشرق ” ويكني نفسه ب”أبي أسماء” قال، إن سيطرتهم على أبين يعد النواة الأولى لقيام دولة الإسلام وإن عيون المجاهدين تتجه صوب عدن التي قال إن أبناءها سيناصرون المجاهدين وسيؤيدون الشريعة لأنها المخرج من الفتن والظلم الذي مورس عليهم سنين طويلة.خطورة الوضع الإنساني والمعيشي ولأن %90 من الممرات والطرق البرية في محافظة أبين تقع تحت سيطرة القاعدة يواجه أبناء المحافظة مصاعب كبيرة في حركة التنقل والحركة بين المديريات داخل المحافظة وخارجها ويقول الصحفي مدين بن محمد الفضلي ل”الشرق” إن أبناء المحافظة كانوا يقطعون المسافة بين مديرية لودر وعدن خلال ساعتين بينما يقضون حاليا أكثر من ثمان ساعات في الطريق إلى عدن ويمرون ب ثلاث محافظات قبل أن يصلوا عدن، وينزح من تبقى في زنجبار إلى عدن عبر طرق صحراوية غير آمنة.ويجد مزارعو المحافظة صعوبة كبيرة في نقل الوقود إلى مزارعهم فأجور النقل ارتفعت أكثر من %800 بسبب الطرق المتباعدة والمتقطعة مما أثر سلبا على الزراعة التي تلفظ أنفاسها وهذه المحافظة تشتهر بأنها من أكثر مناطق اليمن خصوبة وجودة في إنتاج الخضروات والفواكه. ويعاني النازحون من أبين أوضاعا إنسانية شديدة الصعوبة حيث يتكدسون في مدارس عدن ويفتقرون إلى المعونات الكافية كما يقول سالم حسن درويش ل”الشرق” الذي شكا من انتشار الأمراض بين النازحين وعدم كفاية المعونات التي تقدمها المنظمات الخيرية لهم. وجود القاعدة في أبين لم يعد موضع جدال أو اختلاف كما يقول الشيخ محمد صالح هذران أحد كبار مشايخ أبين الذي تحدث ل”الشرق” بكثير من المرارة عن معاناة النازحين والمشردين بسبب القاعدة والعمليات العسكرية الحكومية ضدها.ويضيف هذران إن الثروة الحيوانية لسكان مناطق النزوح انتهت والمزارع تحولت إلى قيعان مقفرة وأكد أن الوضع في أبين كارثي، منتقدا تسليط الضوء فقط على العمليات العسكرية والاحتفاء بالانتصارات في حين أن الوضع الاجتماعي والنفسي للمتضررين أشد خطورة مما يتوقعه الجميع.
معركة القاعدة بدأت القاعدة معركتها في أبين بحملة اغتيالات ضباط المخابرات في محافظات عدن – لحج- أبين بعد اختراق التنظيم لهذه المؤسسات حسب مسؤول عسكري تحدث ل”الشرق” ورفض الإفصاح عن هويته. ويضيف المسؤول وهو من قادة المعارك في أبين، إن القاعدة نجحت في تنفيذ عمليات ضد ضباط مخابرات يعملون في محافظة أبين في قلب العاصمة حيث قتل ضابط مؤخرا في أحد شوارع صنعاء برصاص مجهولين، وهذا برأيه يؤكد قوة التنظيم وقدرته.والخطر الآخر حسب المسؤول أنها استطاعت تنفيذ عمليات عسكرية من البحر ضد الجيش اليمني ونصب قاذفات صواريخ على زوارق سريعة وهذا جعلهم قادرين على القيام بعمليات عسكرية في البر والبحر.ويقاتل عناصر القاعدة ضمن مجموعات لا تزيد عن خمسة أشخاص في حروب عصابات مستخدمين مدافع ذاتية الحركة ومضادات الطيران وقذائف الآر بي جي وصواريخ “لو” وقذائف الهاون كسلاح رئيسي لأنه خفيف الحركة والنقل.وأكد المسؤول العسكري أن مسلحين من دول شرق آسيا والصومال ومصر وموريتانيا والمغرب وباكستان يقاتلون في صفوف القاعدة في أبين ويقوم الأجانب غالبا بمهمات صناعة المتفجرات وتدريب المقاتلين والتخطيط للمعارك وإدارتها وأن الصوماليين هم من أكثر المقاتلين شراسة في المعارك مع الجيش.
قوى المقاومة تتم عملية مواجهة القاعدة على ثلاثة محاور أولها يتمثل بالقوات الحكومية المسلحة والتي تقوم بعمليات متقطعه وتتكون من ستة ألوية عسكرية تعمل ثلاثة منها كحزام أمني لمنع تسلل القاعدة إلى عدن وتشارك في عمليات حربية ضد مواقع التنظيم في المحافظة.المحور الثاني تقوده القبائل حيث جندت مجاميع من أبنائها لمواجهة القاعدة في مناطق القبائل الكبيرة والتي تدير شؤونها بمعزل عن الدولة.المحور الثالث اللجان الشعبية، وهي خليط من متقاعدين عسكريين وشباب ورجال قبائل وتتواجد هذه اللجان في المديريات المدنية وتوجد اللجان بشكل أساسي في مديرية لودر واغتالت القاعدة رئيس هذه اللجان في عملية كبيرة انتقاما لعناصر التنظيم الذين قتلتهم اللجان.
المعارضة تتهم النظام تعتبر المعارضة أن القاعدة ذراع من أذرع السلطة وأدواتها التي تستخدمها لخلط الأوراق ضد القوى السياسية المناهضة للنظام حسب رئيس الدائرة السياسة لحزب الإصلاح المعارض صاحب التوجه الإسلامي في محافظة أبين عبد العزيز الحمزة .ويتهم الحمزة النظام بدعم عناصر القاعدة في المحافظة ومنحهم امتيازات مالية ومناصب إدارية وأراض لم يحظ بها مسؤولو الحزب الحاكم مشددا على أن تنظيم القاعدة يحركه النظام.ووصف الحمزة عمليات مكافحة القاعدة التي تقوم بها القوات العسكرية الحكومية بالمسرحيات التي قال إنها تنتهي بتسويات بين القاعدة والنظام وأنه كلما أقترب الجيش من حسم المعركة، تتوقف العمليات العسكرية مستشهدا بما حصل في زنجبار التي لا زالت تحت سيطرة المسلحين رغم احتفاء النظام بتحريرها.الحمزة قسم في حديثه ل”الشرق ” القاعدة إلى فصيلين يتبع الأول النظام وهو الذي يقوم بالقتل والنهب والتدمير والسيطرة على المناطق وينتمي الثاني إلى تنظيم القاعدة المعروف عالميا وهم متواجدون في المحافظة لكن أعدادهم قليلة وتحركاتهم محدودة وسرية لكنه لا ينفي الترابط بين الطرفين، ويرفض الحمزة أي استهداف أمريكي لأي مواطن يمني سواء كان من القاعدة أو من غيرها، مشيرا إلى إدانة حزبه للقتل خارج القانون وعلى الحكومة أن تقدم عناصر القاعدة لمحاكمات عادلة.
قيادي في الحزب الحاكم إلا أن القيادي في الحزب الحاكم أحمد الميسري نائب وزير الزراعة طرح رؤية جديدة ومغايرة لما يجري في محافظة أبين، لم يسبق لأحد من أركان السلطة أو المعارضة أن تحدث عنها. الميسري قال ل” الشرق ” إن ما يحدث في أبين هي عملية استخباراتية شاركت بها دول عدة عملت على استدراج قادة تنظيم القاعدة وعناصرها إلى فخ اسمه “اليمن” ثم إلى محافظة أبين تحديدا ليتم تصفيتهم بطريقة منظمة ومدروسة. وأضاف الميسري، إن تنفيذ هذه العملية بدأ قبل سنوات وإنه حين كان محافظا لأبين التي غادرها إلى وزارة الزراعة مطلع العام الجاري لاحظ استقطاب قيادات وعناصر القاعدة من عدة دول إلى اليمن من أجل القضاء عليهم وهذه العملية شاركت فيها أجهزة المخابرات لدول عديدة بينها اليمن والولايات المتحدةالأمريكية وبريطانيا وباكستان.وأشار الميسري إلى أن كثيرا من عناصر القاعدة الأجانب قتلوا في محافظة أبين في عملية تصفية للقادة الأجانب لم تحصل في أي دولة من دول العالم من بينهم مطلوبون كبار ضمن لوائح دولية مشتركة. 100 ألف لاجئ .. القاعدة في قلب المدينة والجيش على الأطراف أحد قيادات القاعدة في زنجبار ويسمي نفسه “أبو صلال” والذي يتواجد حاليا في جبال يافع مع مجموعة من عناصر التنظيم اعترف ل”الشرق” بوجود اختراق لصفوف التنظيم من جهات استخباراتية، وقال إن عددا كبيرا من عناصر الجهاد العرب والأجانب قتلوا خلال الفترة الماضية بعمليات مريبة حيث يتم استهدافهم بعمليات حربية تؤكد أن هناك من يحدد أماكنهم بدقة عالية، وأضاف إنه تم قتل عناصر من المجاهدين (مصريون وباكستانيون) وغيرهم وهم في أماكن لا يعرف بوجودهم فيها إلا مجموعة قليلة من قيادات التنظيم وعناصر صفه الأول وهو ما يؤكد وجود أطراف داخل التنظيم تعمل لجهات استخباراتية. وقال أبو صلال، إن هذه الاختراقات تسببت في خلافات داخل صفوف التنظيم خصوصا في زنجبار حيث يعتقد البعض أن قيادات داخل التنظيم تعمل لصالح النظام وأخرى لمصلحة شخصيات عسكرية بارزة.