عصام مصطفى خليفة – عضو جمعية الاقتصاد السعودي لم تشهد المملكة في تاريخها ما تشهده حالياً من انتعاش في حركة البناء والتشييد، حيث يجري تنفيذ عديد من المشروعات الإنشائية التي لا تسهم في تغيير معالم الدولة فحسب، ولكنها أيضاً ستغيّر من توجّه الاقتصاد المحلي، بعد أن بلغ إسهام قطاع البناء والتشييد في الاقتصاد القومي نسبة 8% سنوياً خلال الأعوام الخمسة الماضية. تأتي هذه الطفرة في السوق العقاري بسبب النمو الاقتصادي المحلي وزيادة الإنفاق الحكومي على مشروعات البنية التحتية وارتفاع معدل النمو السكاني وارتفاع حجم السيولة الفائضة التي تبحث عن فرص استثمارية مجزية وتحفيز القطاع الخاص للاستثمار في القطاع العقاري والسياحي. وعلى الرغم من أن هذه الطفرة الهائلة التي تعيشها السوق العقارية، إلا أنه في المقابل يشهد فوضى وعدم تنظيم في تثمين العقارات المنزوعة لصالح بعض المشروعات الحكومية. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر تظلم كثير من المتضررين من قيمة التثمين العقاري المنزوع لصالح مشروع قطار الحرمين وغيرها من المشروعات. فمازال التثمين العقاري يدار بطريقة عشوائية ويعتمد كليا على المكاتب العقارية وجميعها تبحث عن مصالحها الشخصية بعيداً عن مصلحة صاحب العقار مما سببت أضراراً وخسائر كبيرة لأصحاب الأراضي المنزوعة نتيجة للتفاوت الكبير في حجم التعويضات بين عقار وآخر على الرغم من القرب الشديد بين العقارات، حيث عد المواطنون أن التعويضات التي تم اعتمادها أجحفت حقهم كثيراً وهذا ما دعاهم إلى رفع قضايا في ديوان المظالم لإعادة التثمين أكثر من مرة. لذا جاء قرار ديوان المظالم بإلغاء قرارات وزارة النقل المتعلقة بتثمين عقارات المواطنين المنزوعة أراضيهم لصالح قطار الحرمين منصفاً لأصحاب العقارات المنزوعة، حيث عد ديوان المظالم أن قرارات وزارة النقل غير منصفة ولا تتناسب مع واقع أسعار العقارات في هذه المرحلة مستعينة بخبرات اللجنة العقارية في الغرفة التجارية كطرف محايد. وفي رأيي أن العقارات المنزوعة لصالح المشروعات الحكومية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول، العقارات المنزوعة لصالح المشروعات الحكومية الخدمية وهي منزوعة رغما عن إرادة المواطنين لصالح المنفعة العامة، وهؤلاء يجب أن يعوضوا بما لا يقل عن القيمة السوقية وذلك لتخفيف الضرر والغررعنهم. القسم الثاني، العقارات المنزوعة لصالح الاستثمارات الحكومية مثل العقارات المنزوعة في المناطق العشوائية لصالح شركة جدة للتطوير العقاري وهو مشروع حكومي استثماري، ويجب أن يعوض أصحاب العقارات بقيمة أعلى من قيمة السوق لأن صاحب العقار أولى بالاستثمار بعقاره من غيره خاصة أن مثل هذه المشروعات العقارية تحقق ربحية عالية. ومن المتوقع أن يسهم قرار مجلس الوزراء الأخير بإنشاء هيئة سعودية للمقيّمين المعتمدين في إحداث تنظيم حقيقي وفعلي لقضية التثمين العقاري وينهي التضارب على الأراضي بالإضافة إلى أنه يحد من تدخل غير المهيئين الذين يديرون عملية التثمين العقاري بطريقة عشوائية. ومن المتوقع أن تقدم هيئة التثمين المصداقية والعدالة في التثمين واضعة عديدا من المعايير التي تعطي كل ذي حق حقه، وتبعد المثمنين غير المهيئين من الناحية العلمية والخبرة العملية، والدولة حاليا لديها عقارات في مختلف أنحاء المملكة ولديها مشروعات كثيرة تحتاج إلى نزع ملكيات، فإذا لم يجدوا مثمنين ذوي اعتبار فمن الصعوبة تثمينها بالشكل السليم، فوجود الهيئة خطوة إيجابية لتشمل جميع مناطق المملكة، خاصة إذا علمنا أن تثمين العقارات المنزوعة لصالح المشروعات الحكومية في فترة الطفرة الأولى كانت مجدية ومغرية وكان المواطنون يتسابقون لنزع عقاراتهم لصالح هذه المشروعات، أما الآن فإن كثيرا من المواطنين يشعرون بالضرر والغبن من قيمة تثمين عقاراتهم والله من وراء القصد.