الفرد بكونه جزءا من المجتمع (الكيان) له علاقة معقدة مع الثقافة، الكل التي تشكل المنتج الاجتماعي (الكل) حيث تكون القيم الثقافية المشتركة، وتكون مفاهيم الحياة الاجتماعية، والفنون والآداب التي يشترك في تعاطيها جميع أفراد المجتمع، فالاغتراب، وما ادراك ما الاغتراب، قضية الانسان في كل زمان ومكان، مع اختلافها بين الأزمنة، والأمكنة، والمجتمعات، لتظل معها المسافات، تسلك سكة تجاه الآخر، ان لم تزدد بعدا، فلن يزيدها قصر المسافات الا بعدا من لون آخر في مجاهل الاغتراب، ليظل الحلم والحقيقة، والنموذج والواقع، متناقضات على شواطئ الذات، لا يمكن ان تلتقي، ولكنها يمكن أن تدل على مدى الهوة الشاسعة لمساحة الاغتراب النفسي، وعلى تخوم ثقوب سوداء تحف مدارات النفوس، وتستهلك فضاءاتها، الاجتماعية، والثقافية، والفكرية. يقول د. علي بن حمد الخشيبان: لقد أصبح من المألوف ان نجد كثيرا من الباحثين يعالج ازمة الإنسان في هذا العصر من خلال قضية الاغتراب، ولعل من ابرز المشكلات التي تواجهها مجتمعاتنا، مشكلة ارتبطت بتنامي ايديولوجيا قامت على اختراق الثقافة الاجتماعية، وجعلت من مكوناتها عناصر مغتربة عن اصولها التقليدية ومنهجها التاريخي. ويستعرض د. الخشيبان، مفهوم وتعريفات الاغتراب، وجوهره، معرجا على الاغتراب عند (فروم) من خلال كتابه: المجتمع السوي، ويتناول د. علي، الاغتراب باسلوب مواصلا عرضه من خلال قراءة خاصة، ذات زوايا مختلفة عما سبق د. الخشيبان من دراسات في هذا المضمار، لنجد القراءة تصور لنا الاغتراب الثقافي (الكل) عن المجتمع (الكيان) مع تناول الأسباب المؤدية الى هذا الاغتراب، اضافة على الآثار المؤدية الى ذلك، باستخدام التحليل الفلسفي لعلاقة المجتمع بالثقافة وكيفية نشوء اغتراب بينهما. هذا مما جاء في ثنايا حديث د. علي بن حمد الخشيبان، في تناوله دراسة بعنوان (اغتراب الثقافة الكل عن المجتمع الكيان) قراءة للثقافة المجتمعية والتغيرات الفكرية، والتي حملها كتيب المجلة العربية المرفق مع العدد رقم (373) الصادر في فبراير 2008م. الثقافة (الكل) والمجتمع (الكيان) والقيم والمعايير الثقافية، فميكانيكية الثقافة في مقابل المجتمع، ثم الاغتراب كقضية ثقافية ومجتمعية، ومنها الى الهوية والمجتمع واغتراب الثقافة، ليصل د. ابن حمد بعد ذلك الى الغربة في المصطلح الاسلامي، لتقف الدراسة بالوصف والتحليل، واستخدام أدوات قرائية مجهرية مع (انتحار الثقافة المغتربة بفعل افرادها - الارهاب مثالا) على اعتبار ان الارهاب تعبير عن انتحار للثقافة المغتربة عن ذاتها. ويواصل د. الخشيبان قراءته للاغتراب، فيتناول الوهم بعدم الاغتراب بانها اكبر المعضلات، وأساليب اغتراب الانسان عن ذاته، متناولا مثالا آخر من خلال (الثقافة والمجتمع مثالا) لنصل مع الباحث الى السهل الممتنع، على القراءة أحيانا، وعلى الفهم أحيانا أخر، وذلك عندما لا تعبر الثقافة عن نفسها تنتحر.. تنتحر..