فاجأ ابن تونس الخضراء، الخطاط ياسر جرادي، حضور «أحمدية المبارك» بالهفوف، مساء أمس الأول، حين لم يأتِ بدواة وكتف وقصبات مختلفة، ليكتب أمامهم بأنواع الخطوط العربية، فلم يحضر معه سوى قلم صغير لتدوين مداخلاتهم والرد عليها، وبدلاً من تلك الأدوات عرض الخطاط ياسر أعماله الدرامية مع الخطوط بصورة مغايرة لما اعتاده المتذوقون، وليضع الطبقة النخبوية، التي ضمت أساتذة جامعات ومهتمين أمام لوحات تشكيلية حركية، بعدما عرضها على شاشة كبيرة، ومعها كشف عن موهبة استطاع من خلالها إتقان الخط بحروفٍ بربرية ويابانية وكورية، طاف بها معارض فنية في بلدان عالمية. وأوضح الخطاط ياسر جرادي أنه ليس خطاطاً متمرساً، ولكنه يهتم بالخط من زاوية مختلفة، في محاولة منه لفصله عن المعنى الذي كان ضحيته، فالخط عنده فن قائم بذاته دون الحاجة إلى المعنى، ولو أضفنا المعنى إليه فلا يستطيع أن يزيده إلا وقاراً وبهاءً، ولو جُرِّد من الفن لأصبح للقراءة والكتابة، لتعيش الحروف في سجن مؤبد، خصوصاً أن التونسيين عاشوا تحت نظام حاكم يدير ظهره للغة العربية، ويفضل الغربية عليها. وفضل جرادي أن تكون أعماله الفنية على مجسمات وأشكال متنوعة، ليظهر فيها جماليات الحرف العربي المقدس، حتى لو لم تستطع تلك التحفة التي يحفر عليها حروفه أن تتسع للمعنى النصي، فالمهم عنده جمال الحرف الذي مازال متيماً به. وقال جرادي إنه استطاع تسويق الحرف العربي في الدول الأوروبية، وبعض العواصم العالمية، من خلال مزج لوحاته بخطوط متنوعة لأكثر من لغة في اللوحة الواحدة، ولفت إلى أن أعماله تأخذ الحجم الكبير والمطويات الضخمة، كما فعل مع عبارات لمقدمة ابن خلدون. وأمام هذا التغير الحركي في الحرف، استغل جرادي جميع ما يقع في يده من خامات، خشبية وبلاستيكية وورقية، ليحولها إلى أشكال فنية ممزوجة بالحروف، واستطاع من خلالها تسويق كثير من أعماله، وباعها بأثمانٍ ربحية عالية، مشيراً إلى أن هنالك خطوطاً عربية انقرضت، ويحاول هو بقوة إعادتها في أعماله الفنية. وأكد جرادي أن نصوص خطوطه لم تغادر أبيات المعلقات السبع، والعم المتنبي، ورومانسية أبي القاسم الشابي، الذي أفرد لبيته الشهير «إذا الشعب يوماً أراد الحياة» لوحة خاصة قبل الثورة التونسية.