يخطئ كثير منا حينما يظن أن الكاتب الجيد هو الذي يبحث عن الأخطاء ويبرزها بأسلوب ساخر أحياناً ولاذع في أحياناً أخرى، وأنه كلما كانت الكلمات في المقال قاسية أصبح الكاتب أكثر نزاهة أو هكذا نظن، حتى إن بعض المقالات تحوّلت إلى نُواحٍ في خرابة، لم يعد هناك كتابات متفائلة بالمستقبل، والجملة التي تحرضك على الابتسام أو تعدك بأن غدك سيكون أجمل أصبحت دواءً نادراً ومحفوظاً بعيداً عن متناول كتاباتنا، فنحن حينما نكتب عن خطأ طبي بحماس وضمير نمارس خديعة أجمل من خديعة الكتابة عن إنجاز طبي فريد مرَّ من أمامنا دون أن نراه ولا أن نسمع له شيئاً مع أنه الوجه الأجمل لنفس الوزارة، ونمارس خديعة أجمل ونحن نكتب بفرح عن حادثة انقلاب قطار وسنكتب مئات المقالات الساخرة والساخطة عن هده الحادثة ولن نقرأ أو نكتب مقالاً واحداً فرحاً بسلامة 332 راكباً كانوا على متنه ولا تعجبنا طريقة نقل المصابين ولا التعامل السريع مع الحادثة فنحن لا نرى إلا الموت والأشياء السيئة أو هكذا تعلمنا وهو ما نريد من القارئ أن يعتاد عليه. من يقرأ كتاباتنا يشعر أننا ككتَّاب دائماً ما نكون في مزاج سيئ وأننا لا نتناول أقلامنا إلا في حالات العزاء، أما حالات الفرح فنحن لا نعرف كيف نكتبها ولا كيف نحتفل بها ونخشى حين كتابتها أن نُحشر في زمرة المطبلين لو حاولنا إظهار مجرد ابتسامة لطيفة من خلال جملة واحدة تمدح أو تثني على عمل هنا أو هناك . فقبل فترة ليست ببعيدة انتشر مقطعا فيديو عبر اليوتيوب وطارت بهما مواقع التواصل الاجتماعي وتناولهما كثير من الكتاب عبر مقالاتهم أحدهما لفتاة والآخر لأستاذ جامعي، وكان في كلا المقطعين استدراج واضح لعثرة لسان أو لعثرة تصرف من مسؤول وكأن المسؤول هو الرجل الحديدي الذي لا يخطئ، وهذا مؤشر بعيد كل البعد عن النقد وهو قريب جداً من تصيّد العثرات التي لا تليق بفروسية الكتابة ولكنها حتماً ترضي الجماهير التي تبحث عن الأخطاء وتتصيدها وهي كثير للأسف!.في الوقت نفسه انتشر مقطع يوتيوب لشاب سعودي رائع اسمه محمد البكري تحت عنوان الحلم السعودي يتحدث فيه بحماس وتفاؤل عظيم عن حلمه الذي يصر عليه بوضوح عال في نبرته ودموعه التي ارتفعت في لحظة حماس وصدق نادرين، الشاب يقول وببساطة إنه كمتخصص في تقنية النانو يحلم أن تكون السعودية منارة للعالم وأنه سيعمل ليأتي اليوم الذي يحقق فيه كل أفكاره على أرض الواقع وأنه يحلم أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه تغيير العالم ليصبح أفضل، شاهدوا الفيديو لتعرفوا كم هو المستقبل رائع وكم هو يستحق الانتظار، ومن هنا إلى زمنك يا محمد البكري سنثق بأحلامك، وسنثق بروعتك، وسنثق بالمستقبل الذي سيأتي بك إلينا ومعك أمثالك من جيل العلم والعمل، ولتعذرنا أيها الرائع أنت وأمثالك المبدعون فنحن لم نتعلم بعد الكتابة بلغة المستقبل.