البليهي والملك فهد وأول مدرسة للبنات...(6)

البليهي والملك فهد وأول مدرسة للبنات (6)
في عام 1406 كان مسجد عودة/الحميدي يزدهر بثلاث حلق كل يوم، بعد الفجر لعبدالله المطوع إمام المسجد وخليفة والده، وبعد الظهر والعشاء لمحمد السليمان العليط.
ارتبط مسجد الحميدي في ذاكرتي بأناس فارق بعضهم الدنيا، ومنهم من لايزال على قيد الحياة يأتي في مقدمتهم محمد الفهد الربيش خادم المسجد والمسئول عن صيانة الكهرباء، وقد حكى لي محمد يوماً كيف تعرض لتبشير دعوة التبليغ حتى أقنعوه بالخروج معهم إلى الطائف وتحت إلحاحهم بأن يقوم واعظاً في أحد مساجدها بعد صلاة الجمعة قام وتوجه إلى المصلين فنظر إلى بعضهم ثم انفجر بالضحك وجلس.
الثاني هو حمد العودة مؤذن المسجد العتيد، وثالثهم جار للمسجد من آل الطريقي، كنت أستيقظ على وقع أقدامه قبل طلوع الفجر بساعة في المرات القليلة التي نمت فيها في خلوة المسجد ليالي الشتاء، كان هو أول من يسبق إلى الصف الأول فيصلي ركعات معدودات ثم يقرأ في مصحفه حتى يطلع الفجر، ورابعهم شيخ قد ناهز التسعين كأني أراه الآن وهو يخطو متثاقلاً معتمداً على عصاه هابطاً من الدرجات الثلاث للباب الشمالي الشرقي الذي يفضي إلى رواق المسجد من جهة الحمامات. إذا قصدت قبة رشيد من المدخل الجنوبي فإن دكان هذا الشيخ هو الثالث عن يمينك، إنه ذلك المتربع في فم دكانه الصغير ضمن تلك الحوانيت الملتصقة ببعضها في فم السوق، لن تخطئه عيناك، صبيح الوجه بسام المحيا بلحيته البيضاء التي ملأت صدره ووقاره الذي يطيش بكل عبث قبة رشيد ونزوات مراهقيها والأنفاس الوالهة والأجساد الراجفة المتلامسة خلسة والتي تبلغ ذروتها مع إغلاق محلات العبايات النسائية المغلقة فترة صلاتي المغرب والعشاء. قيل لي بعد وفاته إن هذا الشيخ هوعبدالله الدحيم الخضير.
لم يكن يفصل بين الشارع الذي يقع عليه المسجد شمالاً وبين قبة رشيد ، إلا أرض فضاء غير معبدة تزيد أو تنقص عن ثلاث مائة متر، وإذا كان عصرالخميس والجمعة أقيم السوق، وانتشرت المباسط على امتداد هذه الأرض البيضاء المستطيلة التي يحدها من الشرق شارع الملك عبدالعزيز ويحدها من الغرب بمسافة تقارب المئتي متر تلك المساحة المعبدة التي تبعد قرابة المائة متر عن أولى كبرات سوق الخضرة باتجاه الغرب، وتنتهي آخر مباسط هذا السوق جنوباً قبل مدخل القبة الجنوبي بأمتار.
كان هذا السوق يقام قبل ذلك غرب الجامع الكبير بعد هدم تلك المباني الواقعة شرق المقبرة قبل ثمانية وعشرين عاماً، والتي كانت حتى أوائل القرن الثالث عشر تقع خارج سور بريدة، وقد كانت أزقة ضيقة تتصل بعض بيوتها بجسور تسمح بالتنقل بينها، وهي رفاهية لاتعرفها إلا بيوت الأمراء وذوي اليسار.
في هذا السوق القديم حدثت قصة غريبة، فقد كانت إحدى المتسوقات تتجول بين الباعة وقد كشفت عن ذراعيها وكان لأحد الأخوان مبسط يبيع فيه الصابون والشامبو ولوازم نسائية أخرى، فأمر السيدة بأن تستر يديها، ولكنها لم تلق له بالاً، وبعد تكراره الزجر وإصرارها على إهماله رماها بعلبة شامبو أصابت رأسها فسقطت المرأة مغشياً عليها، فاستغل صاحبنا انشغال المارة والباعة بإسعاف المرأة المسكينة وقام بجمع بسطته فألقى عليها الشراع، ثم أطلق ساقيه للريح .
وفي عام 1407 وقعت حادثة مشابهة في شارع الملك عبدالعزيز، بعد ملاسنة بين سيدة وابنتيها وبين اثنين من أعضاء هيئة السوق قاما بالإنكار على الفتاتين انبساطهما في الحديث مع البائع، وأمام حيرة العضوين وشعورهما بالعجز عن السيطرة على الوضع تقاطر المتعاطفون إلى المكان، وفجأة انخرط محمد العبدالعزيز وهو من الإخوان في الشجار.كان دكانه في سوق الزل/المجلس قريباً من موقع الحدث، فأخذ العصا من عضو الهيئة وانهال على الثلاث ضرباً حتى اختفت أصواتهن والمتسوقون وكل من كان في السوق شهود، وانتهت القصة التي نجى من تبعاتها بأعجوبة بصلح عقد في مكتب نائب أمير منطقة القصيم الأسبق محمد بن سعد بن عبدالعزيز.
كان صاحبنا هذا من أعيان الأخوان إلا أنه كان مستبعداً من قائمة أسماء النخبة التي يجري اختيارها ضمن الوفود إلى الأمراء وولاة الأمر في القضايا الطارئة والنوازل التي تستوجب مناصحة وتنبيهاً، لقد شارك في أكثر من وفادة وتسبب كلامه أثناء اللقاء بإفشال المهمة فلم يعد بعدها مرغوباً، وكان واحداً ضمن أسماء قليلة تحدثت بحماس بين يدي الأمير فهد بن عبدالعزيز وزير المعارف 1381، مبدين اعتراضهم على افتتاح أول مدرسة للبنات ببريدة، ولكنه لم يكن هو الوحيد فقد شاركه آخرون كان من ضمنهم الشيخ صالح البليهي، وكانت كلمات البليهي الجريئة إحدى أكبر أسباب طرد الوفد الكبير من الرياض.قال لي علي بن سليمان البرادي في عام 1408\" قبل عودتنا من الرياض إلى بريدة استضافنا الأمير بندر بن عبدالعزيز على الغداء وذبح لنا أربعين خروفاً، فتفاجأنا بعبيد الملك فيصل وقد وقفوا على رؤوسنا والعصي بأيديهم وقالوا لنا مهددين : يقول طويل العمر لاتغيب الشمس وانتم بالرياض وإلا سقناكم بالعصي\".
درست على الشيخ صالح البليهي منذ منتصف عام 1405 حتى محرم 1406 وقد شكت إليه أمي حينما تركت الدراسة وطلبت دعمه فتحدث معي بكل رفق، فلزمت الصمت، ثم أعاد الحديث كرة أخرى وجعل يحثني على الإفصاح عن دوافعي لترك الدراسة ولكن لساني عثر بي، وعرض شفاعته عند مدير متوسطة وثانوية تحفيظ القرآن أبو يوسف الحجيلان للتغاضي عن غيابي عن المدرسة لأسبوعين، ولكنني كنت عازماً على المضي فيما قررته فاستحييت منه وانقطعت عن دروسه. ولم أكن أعلم عن خلافه مع الأخوان إلا بعد شهور.كان البليهي من أكبر الداعمين لتعليم المرأة. قال لي فهد العبيد مرة\" جمعتني صداقة في كهولتي مع البليهي، لقد طلب العلم متأخراً وهو في السابعة والعشرين وكان فلاحاً ولكنه أحب العلم وبذل نفسه له، كان يحب أن يصلي بجواري دائماً ويقول إنني أجد الطمأنينة بقربك\".وأخبرني محمد العبدالله أبا الخيل \"ولد ابو ركعة\" أنه ولد هو والبليهي ومحمد بن عبدالعزيز المشيقح في سنة واحدة. رحل البليهي عام 1410 أولاً ثم تبعه أبا الخيل بسنة ونصف، وتوفي المشيقح العام الماضي.
من الإخوان من كتب في وصيته بأن لاتتعلم بناته في مدارس الحكومة، وثلاثة منهم هاجروا إلى النْخَيْل في التسعينات الهجرية وكانوا على صلة بجماعة أهل الحديث لفترة- ولكنهم نجوا من الاعتقالات بعد احتلال الحرام لأسباب سيأتي شرحها لاحقاً- فاستوطنو النخيل في ضيافة أميرها مشعان وجعلوها مهاجرهم وتعاهدوا في وثيقة كتبوها بأن لا يدخلوا أبناءهم ولا بناتهم في تعليم الحكومة وألا يعملوا في وظائفها.ولكن الثلاثة عاشوا حتى تخرج بعض أبنائهم وتعلمت بناتهم في مدارس الوزارة، وقد انهارت بيوت وانفصل أزواج بسبب رفض الأب تعليم أبنائه أو بناته، ولا زال بعض منهم حتى اليوم يرفضون تعليم بناتهم إلا عند سيدة تعلمها القراءة والكتابة رغم التغير الكبير الذي حصل لهم اجتماعياً ومنهم من تلطخ بتوظيف أموال استثمروها بطرق مشبوهة، ولكنهم يرفضون تدريس بناتهم نزولاً عند رغبة الجد أو تنفيذاً لوصيته، وبعض من الأخوان ممن رغبوا في الانعتاق اضطروا للهجرة إلى الرياض أو مكة لتوفير جو يساعدهم وعوائلهم على تعليم أبنائهم وبدء حياة جديدة، بعيداً عن النمائم والدسائس والضغوط النفسية.
وقد كان في عداد الأخوان آخرون اتخذوا طريقاً وسطاً، منعوا تدريس البنات وسمحوا للأبناء بالدراسة، وتابعوا الإخوان في باقي المسائل تحليلاً وتحريماً وتبديعاً، وهؤلاء كانوا في عداد الإخوان وإن كانوا في نظر البعض منهم من المقصرين.ولكن كانت محبتهم للجماعة ومنافحتهم عنها وانكسارهم عند التوبيخ، وتجلدهم للتقريع وإقرارهم بالتقصير وتملقهم للأخوان شافعاً لهم.
منصور النقيدان
alngidan@yahoo.com
=================================================================
تعليقات الزوار
محمد التويجري
مقال وسرد رائع جداً عن تاريخ اخوان بريده ورجال الدين وتاريخ الحالة الدينية في بريدة ... استمر ونحن بإنتظار باقي المقالات .
ونتمنى أن تكتب عن تاريخ وأسباب التشدد في بريدة .. ولماذا اشتهرت بذلك؟؟
(ننشر تعليقك دون تحرير مع ايماننا بأن التشدد في كل مكان لكن اهمية مدينة بريدة فرضت ان تكون في مرمى الحدث )
الفلاح
من حق منصور النقيدان ان يكتب ما يشاء لكن اتمنى ان يبتعد عن الانتقائية وذكر مالا يحسن ذكره
بريداوي
سرد رااااائع تشكر عليه ولو اني اختلف مع منصور في عدد من مقتطفات المقال
متفكر
شكراً لك منصور على الاستعراض التاريخي الذي يبين حقبة تاريخية مليئة بالاحداث المهمة , التي نستلهم منها العبر ونغوص داخل نفسيات تلك الجماعة وحياتهم وأساليب معاشهم ومواقفهم والتي نفسر تلك المواقف تفسير خاص نلجأ إلى تحليل الأسباب الداعية لإتخاذ كل فرد موقفه , على كلٍ نحن مدينين لك لأطلاعك لنا على تلك المرحلة الصاخبة بالاحداث
ساير
منصور النقيدان . . لا أشك بقدرته على توثيق أحداث أقوام عاشها اوج عمره
وعز شبابه
وجرت منهجيتها منه مجرى الدم في عروقه ..
وحنينه إلى تلك الأيام لن يستطيع قلمه على إخفائها . . وإن جهد
الذي أشك في قدرته به . .
أن يسرد .. ويوثق الأحداث بكل تجرد وحيادية . .
أقرأ ويقرأ معي الإخوة لغة السخرية التي ضغط بها حروفه وكلماته
هنا . . وهناك ..
ارجوك . . يامنصور . . لا تفسد على فرحتي بهذا التوثيق بتعليقاتك
الظريفة . .
ولا أخفيك أني أحبك محبت الديك للثعلب
شايب
كان صاحبنا هذا من أعيان الأخوان إلا أنه كان مستبعداً من قائمة أسماء النخبة التي يجري اختيارها ضمن الوفود إلى الأمراء وولاة الأمر في القضايا الطارئة والنوازل التي تستوجب مناصحة وتنبيهاً، لقد شارك في أكثر من وفادة وتسبب كلامه أثناء اللقاء بإفشال المهمة فلم يعد بعدها مرغوباً، وكان واحداً ضمن أسماء قليلة تحدثت بحماس بين يدي الأمير فهد بن عبدالعزيز وزير المعارف 1381، مبدين اعتراضهم على افتتاح أول مدرسة للبنات ببريدة، ولكنه لم يكن هو الوحيد فقد شاركه آخرون كان من ضمنهم الشيخ صالح البليهي، وكانت كلمات البليهي الجريئة إحدى أكبر أسباب طرد الوفد الكبير من الرياض.قال لي علي بن سليمان البرادي في عام 1408\" قبل عودتنا من الرياض إلى بريدة استضافنا الأمير بندر بن عبدالعزيز على الغداء وذبح لنا أربعين خروفاً، فتفاجأنا بعبيد الملك فيصل وقد وقفوا على رؤوسنا والعصي بأيديهم وقالوا لنا مهددين : يقول طويل العمر لاتغيب الشمس وانتم بالرياض وإلا سقناكم بالعصي\".
+++++++++++++==
عبيد الملك فيصل عام 1408 !!!!!!!!!!
الاخ / كاتب الموضوع
ارجوا ان تعيد حساباتك حول التواريخ فانا معاصر لتلك الفترة وما قبلها
كثير من هذه الحلقة يحتاج الى اعادة نظر وخاصة التواريخ
ارجوا اعادة قرائتها ثانية
الشايب
======================
ساكن بالخبيبية
واضح جداً ولكل فاهم حصيف يعرف انه في اثناء سردك للاحداث وجود (العنصرية) تدخل في قالب حديثك - وان كنت لاتقصد ذلك - ولكنها تظهر بدون ارادة !!! فعندما تتكل عن البعض والذي تميل اليهم نسباً نجدك تكيل لهم المدح بالرغم من اختلافك معهم اما الآخر فتسميهم بالقابهم وتتعرض لبعض مواقفهم بالتهكم والشماته (وان كانت هذه لهم شهادةومفخرة عند ربهم باذنه تعالى) وعودوا للمقالات السابقة وستجدون ذلك واضح في مقالاته . وهذا يفقد هذه المقالات المصداقية .
منصور انا اكن لك كل تقدير واحترام في السابق - وان كنت مازلت متفائلاً بعودتك الى ربك - سألتك وسألك الكثير في مقالك عن الشيخ عبدالله الدويش رحمه الله واسكنه فسيح جناته ، ماموقفك من الاخوان وهل لازلت تحن لتلك الايام ام انت ترى انها مرحلة مرت ك كل المراحل التي مريت بها يميناً يميناً ومن ثم شمالاً شمالاً (لايوجد وسط) ، منصور افصح عن موقفك ؟؟ واجعلني اسألك سؤلاً محرجاً لي قبلك هل مازلت على موقفك (دين الانسانية) ؟؟!!! لااستطيع ان اقول السؤال كاملاً .
منصور .. البعض يقول انه يشم من كتاباتك ومقابلاتك رائحة الحنين للماضي والعودة الى الله سبحانه وتعالى .. ووالله ان في رجوعك بشرى كبيرة لي واحب الي من ا شياء كثيرة من امور الدنيا .
منصور .. استعن بالله تعالى والعن الشيطان وأول شخص تذهب اليه الشيخ /عبدالكريم الحميد لتستسمح منه وان يسامحك فلعل دعوته هي سبب ما اصابك !!
لاتكابر وتقول انا وانا فانما انت انسان ضعيف قوي فقط بالله
متعمق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عزيزي منصور أنا متابع لما تكتب منذ البداية، ومستمتع للغاية بتوثيق هذه الأحداث الرائعة، والتي لم توثق أبداً، إيّاك أن تتوقف
سامي
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد ماقرات بالمقال
قمت بالاتصال على جوال الاخ محمد
وقرات عليه ماكتبة الاخ منصور عنه بالنص
ونفى ذالك بشده
وقال انه لم يسبق له الذهاب مع جماعة التبليغ الى الطائف
وقال ان مقاله منصور غير صحيح
الى الاخوة في عاجل ارجو نشر هذه الرسائه وعدم اهملها
خليل
تعلقا على ماذكره الشايب من ملاحظة على التواريخ.. اود بوصفي من الشيبان ان أؤكد على حقيقة روعة السرد وأن منصور عاش مرحلة 1406 شخصيا وانه يستذكر احداث ماقبل ذلك التاريخ من رواة المراحل التاريخية ذاتها.. ان أسيء فهم منصور فمرد ذلك الى سوء الفهم لا سوء الإفهام فمنصور رائع لامع شفاف
ابو سامي
رائع ولكن لو استطعت أن توجز في بعض الأمور غير المهمة كأربعون خروفاً! وتفصل في الأهم ككلمة الشيخ البليهي والتي وصفتها بالقوية ولكن لانعلم مصدر هذه القوة..!
==================================================================
منصور النقيدان
أحب أن أوضح للمرة الأخيرة بأنني سعيد بأن تخصصوا جزءا من وقتكم لقراءة هذه الحلقات التي قصدتها منها الإمتاع والفائدة وتدوين وقائع وأحداث أخشى عليها من النسيان.إن المستفيد الأول من ذلك هو أنا لأنه يهمني سماع وجهة نظر القراء في تصحيح معلومة أو تأريخها أو تأكيد حقيقتها من عدمه، وهي فكرة نشأت عندي منذ فترة في رغبة مني صادقة لتوثيق أحداث هامة مررت بها أو عشتها وكنت شاهدا عليها.
لو قام كل واحد منا بتوثيق مايعرفه هو لكان ذلك إنجازاً كبيراً.ولهذا السبب قمت بنشرها في هذا الموقع الذي ينتسب إلى مكان أثير على قلبي على أرضه درجت وتعلمت وأحببت واشتد عودي .يبدو هذا الحديث عندي وكأنه حديث من داخل البيت لأنني أكتب عن بريدة وأهلها لأبنائها ومن يعيش فيها، وإن كان فضاء الإنترنت قد هتك كل شيء فلم يعد ثمة جدران ولا حواجز تحول دون ياباني في أقصى الشرق أن يقوم بتصفح هذا الموقع ومعرفة تفاصيل مجتمعنا.
لكل المعلقين الذين يتساءلون أو يجزمون بأنني أكتب هذه الحلقات من دافع الحنين أو المحبة لتلك المرحلة وأهلها، سأقول لكم الحقيقة بأنه لدي شعور يتنامى منذ فترة بأهمية رصد تجاربنا وكل ماحولنا. نحن مع الأسف لانعرف أدب اليوميات ولا كتابة المذكرات أو الذكريات أو السير الذاتية، يؤسفني دائماً أن أحياء بريدة القديمة ليس لدينا أرشيف مصور لها. يحزنني أكثر أننا لانملك صوراً لمعظم الأشخاص الذين فارقونا أو عايشناهم من آبائنا وأجدادنا. تصوروا كم دراسة وبحث كان سيظهر إلى الوجود لو أن تاريخنا الاجتماعي في الخمسين سنة الماضية كان موثقاً ، ملابسنا، وأكلنا، وتفاصيل حياتنا اليومية، أعراسنا وما يجري فيها، المناشط الدينية وتفاصيل مايجري في المساجد منذ عشرات السنين، والمدرسة وطلابها وأساتذتها وطرق التدريس فيها؟
لهذا أحرص كثيراً على أن أوغل في وصف الوجوه والسحنات والأمكنة التي تغيرت معالمها، وتلاحظون هذا حينما أكتب عن أشخاص تبدو وجوههم لي وكأنها الآن أمامي مع أنهم فارقونا منذ عشرين عاماً أو أكثر. ولا تدرون كم كانت غبطتي حين وجدت صوراً لبعض رجالات العقيلات من أهل بريدة مجموعة في موقع واحد، لأنها ساعدتني كثيراً حين التطرق إلى تفاصيل دقيقة نطلقها أحيانا كحقائق تاريخية ولكنها ليست كذلك لأن التاريخ المحفوظ عندنا يكذب ذلك لأن الصور الماثلة أمامنا ترفض ذلك وتثبت خلافه.
كل ماذكرته في هذه الحلقة وماسبقها لم أكتبه من نسج الخيال، ولكنني شأن أي مؤرخ لمرحلة سأقوم بتصحيح أي معلومة يتأكد لي خطؤها. يبقى أن أشير إلى أن كثيراً من الوقائع التي قد أذكرها يجري تكذيبها ونفي وقوعها ليس لأنها لم تقع ولكن لأن لها علاقة بأشخاص لايمانعون في الحديث عنها أو حكايتها في جلسة سمر ولكنهم لايرغبون في نشرها، وهذا يعود إلى أن معظم ثقافتنا الاجتماعية تلقيناها شفاهاً ونتوارثها شفاهاً، ونتجوز في حكاية كثير من الأحداث والوقائع ونتناقلها جيلاً بعد آخر بعلم أصحابها وبمشاركتهم أحياناً ولكننا نرفض توثيقها، ولهذا فالجزء الأكبر من تاريخنا لم يكتب مع الأسف. والكتابة عن هذا النوع من الأدب هو مسؤولية المؤرخ وعليه يقع العبء الأكبر في تحديد مايحسن نشره ومالا يحسن حينما يتعلق بالآخرين. وبالتأكيد فإن أكثرالمؤرخين جرأة وشجاعة كانوا هم الأكثر إفادة لنا لأنهم اضاؤوا لنا البؤر المعتمة.
حينما أكون مضطراً للكتابة عن نفسي أحاول أن أكون شجاعاً في ذكر إخفاقاتي وسلبياتي ومناطق الضعف عندي باختصار أن أكون أكثر إنسانية. هو نوع من الترويض والتمرين أدرب عليه نفسي لهذا وعن غير قصد مني أكتب عن الآخرين أحياناً كما أتعامل مع نفسي.
أشعر بالأسف العميق حين يجرح الآخرين هذه المساواة التي لم أستأذنهم فيها.
إن القصة التي أوردتها في البداية عن جماعة التبليغ سمعتها من الشخص نفسه بحضور أكثر من شخص وكنا نستذكرها ونملح بها مجالسنا ونشنع بها أحياناً على الطريقة التي تجند بها جماعة التبليغ أتباعها ووعاظها، ولشعوري بأنها مما يتسامح في ذكره ذكرتها بشكل عفوي.
الانتقائية وطريقة العرض والاختيار أو مايحسن ذكره ومالايليق فهذا في النهاية اجتهاد شخصي.
أما السخرية فقطعاً لم تكن حاضرة في آلاف الكلمات التي سطرتها في هذه الحلقات. ولا أدل على ذلك من أن كثيراً منكم يشعرون بأنني أكتب عن حنين وحب لكل ما أكتب عنه. ولكن الحقيقة أنني لست ساخراً ولا مستهزئاً ولا الشوق قد برح بي. أنا أحكي وأسرد فحسب، وإن كان حب بريدة وأهلها مرض يصعب الشفاء منه.
بخصوص قصة مدارس البنات فإن التواريخ صحيحة، وللمساعدة فإن تسلسل الأحداث هو كالتالي : الحادثة وقعت في الرياض عام 1381 ، عبيد الملك فيصل تحدثوا مع الوفد وهم في ضيافة الأمير بندر عام 1381 قبل رجوع الوفد إلى بريدة. أحد المشاركين في هذه الحادثة وهو علي البرادي ذكر لي عام 1408 تفاصيل ماجرى لهم عام 1381. ليس هناك أي لبس!
يهمني أن يثري المعلقون هذه الحلقات بالمعلومات التي يحتفظون بها ويعرفونها من مصادرها، أتمنى من كل من لديه وجهة نظر مختلفة بخصوص معلومة أو تاريخها أن يدلي بما عنده. وهذا ماسوف يشجعني على الاستمرار في كتابة باقي الحلقات
==================================================================
عمر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ....
بعد اطلاعي على الموضوع وعلى ردود الاخوه الافاضل ثم على رد الاخ منصور
اردت التعليق على نقطتين الاولى في الموضوع وهي عن تعمدك الدخول في
المواضيع المثيره رغم تكرار جميع احداث الموضوع في اكثر من مقال
النقطه الثانيه وهي في ردك على ردود الاخوه :
وهي تجاهلك لأسئلة الأخ ( ساكن الخبيبيه ) ووالله كم تمنيت بعدما قراءت رده وانا لم أبداء بقراءت ردك ان تنورنا بأسلوبك بالرد على التساؤلات التي طرحها الاخ .
هذا ولك مني جزيل الشكر والعرفان
خالد علي الدبيبي
تحياتي لعاجل
تحياتي للكاتب منصور (الارشيف المتنقل )
عندما يتكلم الشخص عن بريدة يجب علية أن يلمعها ويجعلها المدينة الملائكية ويذكر إجابياتها ويترك السلبيات . وهذا الكلام غير منطقي ومنصور يؤثق الاجابي والسلبي . ومن حق منصور أن يسرد مذكراته ويسردها بالطريقة التي تحبب القارئ في القراءة ويتمى معايشة تلك الفترة .
فأرجو من القراء أن لايتهكمو على الكاتب
سؤالي لمنصور
هل أنت حزين من أجل أنك لم تكمل دراستك ؟ أرجو التعليق
متفكر
((((وإن كان حب بريدة وأهلها مرض يصعب الشفاء منه.)))))
وطيت على الجرح يامنصور , يبدو أنك مصاب بنفس المرض الذي أنا مصاب فيه , وهو مرض العشق الكبير لبريدة وأهلها , وإن كنا لانمل من نقد الواقع الاجتماعي والثقافي الذي يتشربها .
بما أن الأخ خالد الدبيبي سألك سؤلاً فأسمح لي بسؤال :
هل تعتقد أنك ضحية مجتمع حينما كنتَ في مرحلة (التطرف ) , أم ضحية عدم توفيق في تربيتك الأسرية , أم ضحية شخصية منصور نفسه وهي تلك الشخصية التي بطبعها متمردة قلقلة حركية متفاعلة , أم جميع ذلك , أم أن هناك سبب أو أسباب أخرى ؟
أرجوا الإجابة إذا تكرمت , ولك كامل الاحترام والتقدير
فهد
اود فقط ان اتقدم لك بالشكر الجزيل لهذا التوثيق والسرد التاريخي الذي تكتبه ....
لأن هذا العمل - كتابة الذكريات والسير والحوادث - كما تفضلت مهم جدا لدراسة اوضاع الشعوب والوقوف على الأحوال المؤثرة بالمجتمع واللتي تصوغ افكاره ... ومن ثم تقود ه للأرتقاء مستقبلا وتجنبه السلبيل ت ... والوقوف على الجوانب المؤثرة في بيئتنا والمؤطرة لتوجهات الأجيال....
استمر ولكن اتق الله فيما تكتبه من مواقف واشخاص ... وراجع نفسك واسأل وتأكد قبل كل موقف تكتبه ...لأنك ستكتب للتاريخ