في مثل هذا اليوم منذ ثلاثين عاماً مات أبي فجأة وبهدوء. لم أتخيل أن يطول بي العمر بعده إلى هذا الحد. أحترق في داخلي شوقاً لهذا الجزء المبتور مني. مهما كنت كبيراً أو صغيراً، موت الأب يشعرك باليتم. ينقطع عنك شريان الأمان إلى الأبد وتعود طفلاً. فقد الأب يحدث فراغاً وشعوراً بالحزن لا يقدره إلا من أحب أباه وفقده. أفتقدك كثيراً وعميقاً يا أبي. أشم رائحة قهوتك وأسمع صوتك. أشعر بوجودك ولا أستطيع لمسك. حين ضاقت بي الدنيا أثناء إقامتي الجبرية في غرفة العناية رأيتك واقفاً أمامي مبتسماً بجوار سريري. أنت الميت تشد من أزري لأعيش! آه لو كان بيدي فعل شيء لأستعيدك وآخذك إلى حضني لفعلت. أتذكر لحظات طفولتي كانت عيناي تلمعان في شقاوة لتحملني على كتفك ولأظل لصيقة بك تغمرني بحبك وحنانك. مع تراكم سنوات العمر مازلت يا أبي أحملك في قلبي أستعيد كلماتك وأحفظها وأتخيل ما يمكن أن تقوله لي في كل موقف أمرّ به. لقد نفذت وصيتك يا أبي، اجتهدت وأصبحت طبيبة أطفال كما كنت تتمنى. وصرت كاتبة ولكن بيني وبينك برزخ راسخ، فلن تقرأ ما كتبت ولن تصوب لغتي العربية كما كنت تفعل حين كنا نتبارى في حفظ الشعر. كم تبادلنا الأحاديث التي كوّنت رصيدي من المبادئ والخبرات. منحتني حصيلة تجاربك جاهزة على طبق من ذهب. يا حبيبي ليس هناك ما أضيفه سوى أني فخورة بك لأنك شكّلتني ومنحتني القدرة الذاتية على السير بثقة في هذه الحياة التي ما عدتَ أنت جزءاً منها. قال شوقي: ما أبي إلا أخ فارقته وده الصدق وود الناس مين كم تمشينا يدي في يده من رآنا قال عنا أخوين لا تخف حزناً أو بكا جمدت مني ومنك اليوم عين