يتوقف السياح مرتدين السراويل القصيرة، وحقائب الظهر، وينظرون إلى السقيفة المهيبة، يترددون ومن ثم يكملون طريقهم إلى ساحة البندقية، مهملين بذلك موقعاً استثنائياً يعود إلى حوالى ألفي سنة شهد مصيراً متقلباً، هو سوق تراجان (ميركاتي دي ترايانو) في روما. مجمع الأبنية هذا الذي استضاف على مر القرون ثكنة وديراً، معلق على سفح تلة، ويوفر منظراً رائعاً على المنتديات الرومانية، والكولوسيوم، ونصب مذبح الأمة (التارري دي لا باتريا) الذي يشرف على ساحة البندقية. وخلافاً لاسمها سوق تراجان التي بنيت في القرن الثاني بعد الميلاد لم تكن المركز التجاري لروما القيصرية. وتوضح لوكريتزسيا أونغارو مديرة الموقع لوكالة فرانس برس “كانت هذه السوق أشبه بمركز إداري كبير مكلف إدارة منتدى تراجان الواقع بجانبه، إذ إن الأمر كان يتعلق بمكاتب وقاعات اجتماع تعج بالموظفين”. وتمتد السوق على آلاف الأمتار المربعة على ستة مستويات متصلة في ما بينها عبر سلالم وثلاث شوارع مخصصة للمشاة في شارع بيبيراتيكا، وهي درب رومانية لاتزال مكسوة برقع ضخمة من حجر البازالت. وتشكل “غراندي أولاً “المهيبة فسحة تتنشر فيها التمثايل القديمة، في حين أن شرفاتها تطل على منظر استثنائي. فإلى اليسار الكولوسيوم، وقبالتها المنتدى الروماني، ووراءه تلة بالاتينو، وإلى اليمين الكتلة البيضاء الضخمة لمذبح الأمة. وتشكل حديقة الميليشيات للسائح المنهك ملاذاً هانئاً. ويعلو هذه الحديقة برج الميليشيات المائل المني من حجر الآجر الأحمر، وهو الأعلى في روما، وقد بني بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر من قبل عائلات نبيلة حولت الموقع الى حصن. وغير الموقع وجهته في القرن السادس عشر عندما أقامت فيه راهبات دومينيكيات ديراً، وأعددن ترتيب المكان، وبقين فيه ثلاثة قرون قبل أن تحل مكانهن ثكنة عسكرية بعد توحيد إيطاليا. وفي القرن العشرين، أعادت الحفريات الأثرية إلى هذا الموقع وضعه الأساسي، وقد جردته من كل الإضافات التي أجريت عليه على مر القرون. وبات “غراندي أولاً” تستضيف راهناً معارض موقتة، فضلاً عن حفلات استقبال، وحفلات موسيقية. ورغم كل هذه المميزات، يواجه الموقع صعوبة في جذب الزوار “لأن متوسط الإقامة في روما عادة ثلاثة أيام والسياح يميلون إلى التركيز على النصب والمواقع الأشهر: الكولوسيوم والفاتيكان ومتاحف الكابيتول…” على ما تقول أنغارو. يضاف إلى ذلك “إنه ينبغي القيام بخيارات على المستوى المالي لزيارة هذا النصب، أو ذاك. ومن الواضح أن السياح يختارون المواقع الأكثر شهرة، إلا أنها الأغلى أيضاً”، على ما تؤكد. وتأمل نوغارو القيام بأشغال تجعل من سوق تراجان بارزاً أكثر، خصوصاً عبر فتح منفذ له من جادة المنتديات، وهي محطة إلزامية لكل السياح. وينبغي للقيام بذلك الحصول على تمويلات جديدة، وهي مهمة شاقة في وقت تم فيه تخفيض الميزانية المخصصة لصيانة النصب وترميمها بشكل كبير جداً في السنوات الأخيرة. وبانتظار ذلك، تبقى سوق تراجان المحفوظة من أضرار تدفق السياح، من الأماكن القليلة جداً في روما التي لايزال من الممكن فيها، اشتمام رائحة القرون بكل هدوء وسكينة. أ ف ب | روما