شيعت المملكة العربية السعودية في موكب مهيب ولي عهدها السابق الأمير نايف بن عبدالعزيز، وفي وقت وجيز استطاعت المملكة أن تعوّض الفقد، حيث عمد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في اليوم التالي إلى تعيين الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد والأمير أحمد بن عبدالعزيز وزيراً للداخلية بالنظر لأهمية الموقعين في هرم الحكم. وقد شكلت وفاة الأمير نايف خسارة لا تعوض للعالمين العربي والإسلامي بالنظر للموقع الذي كان يحتله المغفور له وللدور الذي لعبه طيلة حياته. فالأمير نايف كان صمام الأمان للمملكة حيث نجح في جعل وزارة الداخلية سلطة مهابة وذات قدرة فاعلة في مواجهة موجات الإرهاب التي هددت السعودية، حيث تمكن بحكمته وعمق بصيرته من استئصال الإرهاب من جذوره، كما تمكن من خلال الاستراتيجية التي وضعها من أجل إعادة الرشد إلى كثيرين من المغرر بهم فتمكنت المملكة من إعادة استيعابهم ومن مساعدتهم على الانخراط مجدداً ضمن مؤسسات المجتمع ليقوموا بدورهم كمواطنين صالحين وفاعلين. والأمير نايف تمكن بحنكته وحسن درايته أن يستوعب كل محاولات الإساءة التي كان يقوم بها بعضهم من أجل النيل من مواسم الحج بحيث استحدث أهم الوسائل التي تتيح للحاج من أي بقعة في العالم أتى أن يطبق شعائره الدينية في جو كامل من الأمن والأمان وأن يوفر له كل المستلزمات التي يحتاجها لإتمام فرائضه والعودة إلى دياره سالماً غانماً. والأمير نايف استطاع التوفيق ما بين السلطة السياسية والسلطة الدينية عملاً بأحكام القرآن الكريم التي تعتبر الإسلام دينا ودولة وألا تفريق بينهما كما حصل في الغرب في القرن الخامس عشر الميلادي عندما تم فصل الدولة عن الكنيسة، ما لقيصر لقيصر وما لله لله. والأمير نايف كان الحريص ليس فقط على أمن السعودية بل أيضاً على أمن كل العرب والمسلمين ولهذا أنشأ أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، ولهذا وظف كل طاقاته وإمكانياته من أجل تفعيل عمل مجلس وزراء الداخلية العرب الذي رد إليه الجميل بأن عينه رئيساً فخرياً على مدى العمر. وهذا المجلس هو الوحيد الفاعل من بين هيئات ومنظمات جامعة الدول العربية وحقق بفضل الله وبجهود الأمير نايف كثيرا من الإنجازات الأمنية في مواجهته للإرهاب والمخدرات والجريمة. والمؤكد أن وزارة الداخلية السعودية ودورها الداخلي والخارجي سيبقى مشعاً لأن الأمير أحمد بن عبدالعزيز الذي تسلم مهام وزير الداخلية هو ابن هذه المؤسسة وأحد أعمدتها، وهو من أكبر المخططين لأعمالها تحت مظلة شقيقه الراحل الأمير نايف. أما تعيين الأمير سلمان بن عبدالعزيز في موقع ولاية العهد فقد كان أمراً منتظراً منذ اللحظة الأولى لإعلان وفاة الأمير نايف لأن الأمير سلمان يشكل قاسماً مشتركاً لجميع أخوته وأشقائه، ولأنه صلة الوصل بين كافة شرائح المجتمع السعودي، ولأنه معروف عنه حكمته وقدرته على حل أي مشكلة عائلية عالقة، وقربه من كل الأمراء على مختلف أجيالهم، ومتابعته لكل همومهم وشجونهم، دون أن ينتقص ذلك من دوره عندما كان على رأس إمارة الرياض حيث لم يقصده مواطن إلا وعاد غانماً، ولم يلتجئ إليه صاحب حاجة إلا وعاد آمناً قرير العين. وهذه السياسة التي ينتهجها منذ نعومة أظافره لم تتغير ولم تتبدل طيلة عمله في كافة المواقع التي شغلها وخاصة عندما تسلم وزارة الدفاع خلفاً للمغفور له الأمير سلطان بن عبدالعزيز. وبالمحصلة استطاعت حكمة العائلة المالكة أن تبرهن أنّ السلطة ليست سوى وسيلة، وليست غاية بذاتها، وأن مصلحة المملكة تعلو فوق كل المصالح الأخرى، وهي بذلك وصلت إلى المكانة العالمية المرموقة التي تحتلها اليوم.