بعد عام تقريباً من إقبال الشركات والشخصيات العامة على الاستفادة من الشبكات الاجتماعية، بدا واضحاً أن مجرد الوجود هناك حتى لو جمعت الشركة عدداً كبيراً من «اللايكات» أو «الفلورز» (أي كم الجمهور) فإن هذا لا يعني تحقيق الفعالية المطلوبة، ولا يعني إقبال الجمهور على قراءة معلومات الشركة والتفاعل معها. في الحقيقة مجموع الإحصائيات الموجودة يدل على أن هناك حالة فشل، وخاصة إذا قارنا النتائج بالتوقعات الضخمة التي حملتها تلك الشركات بناء على وعود المتخصصين في التسويق عبر الشبكات الاجتماعية أو بناء على إمكانيات المواقع الاجتماعية الضخمة التي يستفيد منها المشاهير والأفراد الموهوبون في التعامل مع الشبكات الاجتماعية. ما المشكلة بالضبط؟ في رأيي الشخصي أن هناك مشكلتين أساسيتين: الأولى، أن الشركات يغيب عنها أن تفهم في كثير من الأحيان أن الشبكات الاجتماعية ليست صفحات إعلانية، بل هي وسائل للتفاعل المكثف والتداخل (Engagement) مع الجمهور، والجمهور سيتفاعل معك إذا استطعت أن تدير معه حوارا ممتعا فيه الفائدة والتشويق الذي ينتظره أي شخص من شخص آخر يتحدث معه. هذا ما ينقص معظم الشركات التي حاولت الاستفادة من الشبكات الاجتماعية، ولذا فهناك في رأيي ما يمكن أن أسميه بالعلامات التجارية أو المؤسسات «المملة اجتماعيا» (Socially Boring Businesses)، والمملة اجتماعيا هي تلك العلامة التجارية أو المؤسسة التي ليس لديها ما تقوله عبر الشبكات الاجتماعية سوى المعلومات الرسمية التي تقدمها عن نفسها على موقعها الرسمي، أو التركيز على خدمة العملاء والإجابة على تساؤلاتهم. الشركات والعلامات الاجتماعية تحتاج للتغلب على هذه المشكلة إلى صنع «المحتوى الممتع»، وهذا فن بحد ذاته يتطور تدريجيا لإنتاج ما يسمى ب»المحتوى الاجتماعي» (Social Content)، الذي يفترض أن تستخدمه الشركات والمؤسسات على مواقعها الاجتماعية. لأعطي مثالا بسيطا، شركة عصائر هي بالطبيعة شركة «مملة اجتماعيا» لأنه ليس لديها ما تقوله عن عصائرها سوى أنها طازجة ولها نكهات متعددة، ولكن لو استضافت شركة العصائر خبيرا في علوم الغذاء يجيب على أسئلة الجمهور بشكل عام بكل ما يتعلق بالغذاء فهي في هذه الحالة لديها محتوى اجتماعي ممتع، ولديها ما تقوله للجمهور، ولدى الجمهور السبب لزيارة صفحاتها والتفاعل معها. هذا يعني أن النجاح على الشبكات الاجتماعية يحتاج لروح مختلفة، روح إبداعية، تؤمن بالمحتوى، وتملك الأسلوب المناسب للتخاطب مع الجمهور، وهو أمر تفقده معظم شركات التسويق عبر الشبكات الاجتماعية. المشكلة الثانية، هي أن المواقع الاجتماعية تعمل بمعزل عن الشركة التي تمثلها، وهذا خطأ جسيم، فعصر الشبكات الاجتماعية هو عصر انفتاح، وعصر تبادل للمعلومات، وعلى الجميع أن يكون جاهزاً لذلك. هناك اختبار بسيط لذلك. إذا استطاع ممثل الشركة على الشبكات الاجتماعية إجابة أسئلة الجمهور بسرعة خلال دقائق فهذا يعني أن وضع الشركة جيد، أما إذا استغرقت الإجابات وقتا طويلا لأن المعلومات داخل الشركة غير منظمة، أو لأن الحديث باسمها يحتاج لإذن من الإدارة، فهذا يعني أن هناك مشكلة ضخمة. نفس الاختبار يمكن عمله على مسألة التغيير. عندما يأتي الجمهور باقتراح أو شكوى، ويمكن للشركة التفاعل معه عبر تغييرات داخلية إيجابية، فهذا معناها أنها شركة تنتمي لعصر الشبكات الاجتماعية والعكس هو الصحيح. الشبكات الاجتماعية هي تواصل حميم بين الشركات والجمهور، وهو أمر جديد على عالم البزنس الذي تعود على التحكم في الرسائل التي تصل للجمهور، بينما في الحقيقة قد تغير العالم جذرياً، وصار هذا مستحيلا، وصار فن العلاقات العامة متداخلاً مع فن إعادة هندسة المؤسسات على أن يكون ذلك سريعا ومرنا وذكيا. كان هذا ملخص ما قلته في ندوة عن الشبكات الاجتماعية أقيمت الأسبوع الماضي في لوكسمبورج، كتقييم لما قامت به مختلف الشركات من تسويق على الشبكات الاجتماعية. إضاءة: في الأسبوع الماضي كتبت مقالي عن رحيل «رجل الدولة» نايف بن عبدالعزيز رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، ولم يمكن نشر المقال بسبب ضغط الإعلانات. من الصعب أن تقول شيئا جديدا في مصاب جلل مثل هذا، ومن الصعب أيضا استيعاب الحدث بالكلمات، ولكنها مشيئة الخالق عز وجل. أحسن الله عزاء الأسرة المالكة والشعب السعودي، وأعان الأمير سلمان بن عبدالعزيز والأمير أحمد بن عبدالعزيز على أعباء المهام الجديدة، فالمتوقع منهما كثير، والطموح كبير، وهما خير من يقوم بها بلا شك.