أبو عبدالله اختصر لي الوضع بكلمة: المملكة بلد جاذب، وبقية البلدان العربية في عمومها طاردة. هذه الحقيقة يعترف بها قليل ويصدق واقعها كل الزاحفين بحثا عن عمل ودخل وادخار. ويبقى كثير هنا وأحيانا معظم العمر بل حتى الدفن هنا وهم يحلمون بعودة إلى بلد لم يبق وطنا. إنها كلمات مؤلمة مغموسة بالكبد ولكنها حقيقة موجعة صادمة. أرسل لي شاب من الشمال الإفريقي هذه الكلمات تصف وضع البطالة. قرأت الكلمات بتمعن وذهول لقوة الأداء واسترسال الأسلوب السهل المعبر عن هذه الحقيقة الصادمة أترك القارئ مع جمل هذا الإنسان الشاعري: جاءت كلماته تحت عنوان من باب الفضول:(مثل كل معطل لا يجد سوى باب مقهى لعين يرحب به، جلست غريبا وحيدا في يدي صحيفة عسى أن أجد فيها خبرا يفتح باب الأمل لآلاف الشباب مثلي الذين جعل منهم الانتظار المجاني سجناء مع وقف التنفيذ، قبل أن أفتح الصحيفة سمعت أجنبيا جالسا بجانبي يقول لصديقه المغربي: كل شيء جميل في المغرب. ابتسم صديقه المغربي وقال: نعم عم الصمت أكثر من عشر دقائق حتى كسر جمالية الصباح، ثم سأل الأجنبي مرة أخرى صديقه: متى أتى البرتغاليون إلى المغرب ؟تسرع صديقه في الجواب وقال: لا أدري؟إذا ما الجميل عندنا؟ أن لا نعرف التاريخ!سألت نفسي سرا، تحت أي ظروف تغلف العقول؟الشيء الذي دفعني للبحث عن معنى المعرفة، طبعا لا يمكن معرفة كل شيء .لكن على الأقل أستطيع أن أسأل من تكونين أيتها المعرفة؟إنها الذكرى والذاكرة. الامتداد واللانهاية. هي من أنا و أنت ومن حولنا وخلفنا. المعرفة بطبيعتها غير محدودة في الزمان و المكان. إنه مجال دوران الكواكب لا زالت تحير من يدرس عنها أو من يسمع بها. هي إذاً كلمة فقط، بداخلها يتيه العاكف و المار. وملهمة عشاق الحرف.فيها يسكن البشر عبر التاريخ و فيها حتى من تنكر لهم التاريخ. نعيش بها و منها وداخلها. ينجح من أتقن فن السباحة في بحر أمواجها الغاضبة وينكسر من أعلن انتماءه. هي إذاً من تحيي وتميت، وزورق نجاة الغريب في بحر من الظلمات و السبيل والحكم. هي السؤال و الجواب ومن سمتني و سمت وطني، فيها الله ثم الوطن. المعرفة من أنصفت المنسي. بوصلة النجاح وثمرة العطاء هي الأم والأرض. هي وعاء الحق والحقيقة والمطر والتربة فيها تنمو الأفكار وبها ترى النور هي أنا وأنت والاختلاف والوفاق. هي السلم والعيش. المعرفة محطة ركاب. ونهر نوراني يتدفق بلا توقف لمن يرغب في الشفاء. هي الوجود والموجود و الميعاد والملتقى. هي شمس لا تغيب و امتداد كل الأبعاد. هي الأوان والطباع والميولات. المعرفة تكاد تكون كل الحياة. إنها كلمات عميقة المعنى غزيرة التعبير كلها جاءت من رحم المعاناة والبطالة والتشرد إلى المجهول.