يعتبر التحكم في انفعال الغضب، والسيطرة على النفس، من الأمور بالغة الأهمية لكي ينجح الإنسان في حياته، ويستطيع أن يتوافق مع نماذج البشر على اختلاف طباعها وأخلاقها، وأيضاً لكي يتجنب ما يسببه الغضب من اضطرابات نفسية وعضوية متعددة، ويتفادى كثرة التصادم والاحتكاك، الذي يحصد بسببه خصومات وعداوات كثيرة. ويتصدر الغضب، وسرعة الانفعال، قائمة العوامل المسببة للاضطرابات النفسية، والتشوش الذهني، وإهدار طاقات الناس النفسية والبدنية، وهو أيضاً من أهم أسباب اختلال التوافق واللياقة النفسية والاجتماعية. وللرسول صلى الله عليه وسلم منهج فعال لتعديل السلوك في حالات الغضب، يتضمن عدة طرق وأساليب ناجحة، أحدها يهدف إلى طرد الأفكار الخاطئة المثيرة للانفعال أولاً بأول، بتكرار وترديد بعض الآيات الكريمة “فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين” (المائدة 13)، “ولَمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور” (الشورى 43). والحديث الشريف “ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد من تمالك نفسه عند الغضب”، وأن يحاكي ويقلد الثبات والقوة النفسية والحلم في نماذج الأنماط السلوكية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ومنها أنه كان يوماً يمشي ومعه أنس، فأدركه أعرابي فجذبه جذباً شديداً، وكان عليه بردة غليظة الحاشية، قال أنس رضي الله عنه: “حتى نظرت إلى عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أثرت فيه حاشية البردة من شدة جذبه”، فقال: “يا محمد هب لي من مال الله الذي عندك”، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضحك، ثم أمر بإعطائه، ومنع الصحابة من التعرض له. ولما أكثرت قريش إيذاءه، قال: “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”، وعفا عنهم جميعاً، تلك هي أعظم درجات القوة النفسية، ودلالة اكتمال العقل، وانكسار قوة الغضب، وخضوعها التام للعقل والحكمة. وإذا أردت التدريب على هذا المنهج عليك في نهاية كل يوم أن تجلس في خلوة علاجية مسترخياً على مقعد مريح، وأن تأمر ذهنك بطرد كل الأفكار السلبية والهموم، وأن تتأمل منهج الرسول الذي ذكرناه، والمواقف العملية المثيرة للغضب التي تعرضت لها، ومدى نجاحك في تطبيق وتقليد هذا المنهج في معالجتها، وأن تتابع ذلك وتسجله في مفكرتك الخاصة يومياً، ولمدة شهر، وستشعر بالقوة النفسية، وتتزايد قدراتك في السيطرة على الغضب.