فرعون نموذج الطغيان والجبروت في القرآن الكريم، الرجل الذي تكبر وتجبر حتى تجرأ أن يقول لأتباعه «أنا ربكم الأعلى» و «ما علمت لكم من إله غيري» والرجل الذي كان طائفياً بامتياز ف «علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم». لقد اختار فئة قليلة من شعبه لأسباب عرقية أو مذهبية ليضطهدهم! لو قلت لك إن هذا الرجل كان حاكماً ديموقراطياً فهل تصدقني؟ لن تصدقني لأنك لم تجرب الديموقراطية من أي سلطة عليك في مجتمعك فغالباً لن تلتقط مؤشرات الديموقراطية في سلوك الرجل حين تقرأ عنه في القرآن الكريم. «وقال فرعون ذروني أقتل موسى». لاحظ معي أن إنهاء حياة رجل قرار بسيط في يد أي حاكم شمولي أوحد. أما فرعون فلا يستطيع اتخاذه دون موافقة برلمانه، بل هو مضطر لإيراد حجج لعله يقنعهم فينال موافقتهم «إني أخاف أن يبدل دينكم». طبعاً هو اختار الحجة الدينية لأنها الحجة الأكثر إقناعاً والفكرة المرعبة لاستقرار أي مجتمع. مع ذلك أخي الفاضل اختار برلمان فرعون منح الآخر فرصة التعبير. لاحظ تكافؤ الفرص في الحديث؛ ففرعون وهو هرم الدولة يدلي بحجته أمام البرلمان ثم يأتي دور موسى ليتحدث دون خوف «إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب». والمتكبر هنا فرعون، وسأصدمك فأقول إن من الواضح أن إعلامهم أيضاً كان حراً. وهنا يأتي دور «رجل من آل فرعون يكتم إيمانه» فالجلسات علنية وهذا الرجل سيقول «أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله»؟ وبعد أن يظهر موسى معجزته يتداول البرلمان الأمر ويقال لفرعون «أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم». هنا مقارعة الحجة بالحجة لا تكميم المحتج بسجنه أو حتى قتله. بهذا المنطق بهذا الفكر كانت مصر وقتها الدولة العظمى في العالم، وسادت الدنيا فكان لهم بحسب شهادة موسى عليه السلام «زينة وأموال» وبحسب تعبير فرعون «لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي». لكن الدول تحمل عوامل انهيارها في قوتها، فلعلك تلاحظ أن فرعون ينسب الثروة لنفسه، وتلاحظ تشديد القرآن على وصف الرجل بالإسراف في مواضع كثيرة؛ لأن هذه المشكلة تحديداً هي ما تسبب في سقوط الدولة. النموذج المضاد لنموذج فرعون في القرآن هو ملكة سبأ، فحين جاءتها رسالة سليمان عليه السلام دعت لاجتماع مجلس الشورى عندها وأطلعته على الأمر وكان طلبها واضحاً «يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون» ويراجع الملأ الحكيم قدراته العسكرية «نحن أولو قوة وأولو بأس» نستطيع أن نحاربه لو شئنا، ولكن القرار النهائي هنا سيكون لك «فانظري ماذا تأمرين». هنا يظهر جلياً الفرق بين المرأة والرجل فالمرأة بطبعها أشد وعياً للعواقب، وبوصلة إحساسها بالخطر أفضل من الرجل، وهي داعية سلام قبل كل شيء فاختارت أن تؤمن «مع سليمان» بشروطها التي تكفل حماية قومها! المرأة نموذج السلام والبحث عنه في أقرب صيغة عادلة، ولم تكن بلقيس استثناء في ذلك، فقد فعلتها كليوبترا أيضاً، وفعلتها شجرة الدر. وغنت باسمهن جميعاً سعاد الصباح أفضليتها: «فأنا الحضارة والطغاة ذكور».