لا تمثل وفاة سمو ولي العهد وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز خسارة فادحة للعالمين العربي والإسلامي فحسب، بل إن العالم بأجمعه خسر رجلاً قيادياً في مكافحة الإرهاب أسّس مدرسة لا نظير لها في مقارعة هذه الآفة التي باتت تهدد العالم بأسره، سواء من حيث التضييق على الإرهاب وتجفيف منابعه ومصادر تمويله، أو في استراتيجية محاربة الإرهاب فكرياً، التي تمثل التميز الأكبر في ميراث سمو ولي العهد -رحمه الله- في مكافحة الإرهاب، وهي الاستراتيجية التي جاءت انطلاقاً من مقولة كان الأمير نايف يرددها دائماً وهي “وراء كل إرهاب انحراف فكري”. لقد نجح الأمير نايف -رحمه الله- في انتهاج استراتيجية عملت على اجتثاث الإرهاب من جذوره عبر سلسلة من القرارات والخطوات التي لم تعتمد الحل الأمني فقط، بل سعت بوضوح إلى دراسة البنية الاجتماعية والفكرية والاقتصادية لمن سقط في حبال الإرهاب لمنع تكرار حدوث ذلك ومعالجة الأسباب التي أدت إلى ظهور مثل هذه الحالات، كما أسس – رحمه الله- برنامج المناصحة الذي فتح باباً واسعاً لمن انضم لأتباع الفكر الضال للعودة إلى الطريق القويم، مستخدماً الحكمة والموعظة الحسنة في تجربة سعت دول العالم إلى الاستفادة منها واستنساخها، وذلك سعياً لحماية استقرارها من خطر الإرهاب سيراً على خطى المملكة التي حافظت على أمنها وبقيت ثابتة وقوية رغم عظم التحديات والمخاطر. ولقد تجاوز الاعتراف بأهمية برنامج المناصحة الإشادات المحدودة أو الفردية، بل وصل إلى مستوى أممي، حيث أشاد مجلس الأمن الدولي عام 2007م ببرنامج المناصحة، وثمّن جهود المملكة في تأهيل ومناصحة الموقوفين، ودعا إلى تعميمها عالمياً والاستفادة منها، في اعتراف دولي صريح بأن هذه التجربة التي رعاها سمو ولي العهد – رحمه الله- سجّلت النجاح الأعلى على مستوى العالم. والعالم الآن وهو يتذكر مآثر الراحل سيقف طويلاً أمام دوره – رحمه الله- الذي سيبقى في الذاكرة لأجيال عدة في مواجهة الإرهاب، وعندما سيحتفل العالم باجتثاث هذه الآفة من جذورها ستكون صورة الأمير نايف وذكراه هناك كشخص ترك بصمة لا تُمحى في الجهود الدؤوبة لتوفير حياة آمنة مستقرّة لمواطني المملكة والعالم أجمع.