في الأسواق الشعبية في كل مدينة من مدن السعودية، تجد من يفترش الأرض من النساء إلى جانب الرجال الباسطين بضاعاتهم أمام مرتادي السوق، في صهدة الشمس أو في زمهرير الشتاء، كنت ومازلت أراهنّ متلفعات بعباءة الحاجة وطلب العيش الكريم بأفضل ما أنتجته الثقافة البشرية في تاريخها ألا وهو العمل الشريف. نشتري منها وتبيعنا دون حرج منا ولا مذلة لها، صغيرنا يناديها تقديرا: يا خالة، وكبيرنا يدعوها تعطفا: يا بنتي، أو بالتصغير تلطفا: يا بنيتي.. لم نسمع أن ثارت مشكلة بين بائعة ومتسوق إلا كما يحدث بين أي بائع وزبون… أي أن جنس البائع لم يكن أصلاً مشكلة في الأسواق الشعبية، بل على العكس من ذلك، حيث تتم عمليات البيع بتلطف أكثر حتى لو اختلف الطرفان، كون البائعة امرأة، ومن عاداتنا الاجتماعية، التلطف معهن، وهو أمر يعد سلوكاً إنسانياً ينسحب على مختلف المجتمعات البشرية، عند تعامل الرجل والمرأة. كثيراً ما نجد نساء يفترشن مداخل الأسواق المركزية، أمامهن بسطات للبيع، ولم يعترضهن ويفرقهن سوى مراقب البلدية، لاعتبارات نظامية ليس إلا. ولم نسمع مرة أن تدخلت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنعتهن من الأسواق الشعبية التي تعرض هؤلاء النسوة الى أصعب الظروف المناخية، من شمس لافحة أو شتاء قارس، أو في اشتداد الريح، وما يؤثره ذلك على صحتهن، ولكنه اختيارهن بالتأكيد ولولا الحاجة الملحة لما افترشن التراب. حين نظمت وزارة العمل للنساء مجالات جديدة للعمل، يتوفر فيها احترامهن تحت مظلة نظام مقنن يحترم آدميتهن ويمنحهن مجالاً لسد احتياجاتهن المعيشية، يقفز من يعترض ويندد بل ويمنع تطبيق قانون صادر من جهة رسمية، مثل ما يحدث الآن في العديد من الأسواق الحديثة، ونجده يرفع شعاراً ظاهره حماية المرأة وصيانتها مثل «الجوهرة المكنونة»!، الأمر الذي يثير أشد الاستغراب والتناقض أمام هذه المسألة، فالجهد المصروف لمنع وحرمان المرأة من العمل، لن تجد مقابله أي جهد يصرف في تحسين ظروفها المعيشية، مثل المطالبة بسن قوانين تحميها من التحرش، والتعنيف، والاستغلال. من جهة ثانية، نجد أن عدداً كبيراً من النساء والأطفال ينتشرون حول إشارات المرور للتسول، ولم نسمع يوما احتسابا على هذا السلوك المستمر، فأي رسالة يمكن أن تفهم من هذين الموقفين، هل تعني أن تسول المرأة مقبول، وعمل المرأة ممنوع؟ يتساءل العديد من الناس عن تضييق مفهومي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لدرجة أنه يركز على السلوكيات الشخصية ويستشرس على المرأة لدرجة الرهاب، في حين يغض البصر عن الإرهاب والفساد وانتهاك الحقوق الإنسانية التي تستشري في البلاد وتضر العباد حاضراً ومستقبلاً. من أكثر ما يثير القلق هو أن من يطلق عبارة «الله لا يغير علينا» الشهيرة التي توحي أن قائلها يعني أننا خير الناس والأمم، أو «أحسن من غيرنا» على الأقل، تجده هو نفسه من يصور رجال هذا المجتمع على أنهم «ذئاب مفترسة» ونساءه «نعاج ضالة». يا للتناقض والتضاد، وفي رأي آخر: الحالة تعبانة يا ليلى.