مرّت أسابيع على وفاة جدي، ولكنني لا أزال حزيناً على فراقه. لقد كان أقرب الناس إليّ. كنت أدخل إلى غرفته كل يوم، وأقضي معه أوقاتاً جميلةً. كان يقصُّ عليَّ قصصاً من الماضي حين كان يعيش في مزرعة صغيرة وسطها بيت من الطين. وكيف كان يعتني بالنخيل وجدتي تعتني بالأبقار والأغنام. كنت أستغرب دوماً. – كيف كنتم تعيشون بلا ثلاجة وبلا مكيّفات؟! وكيف لم تكونوا تحتاجون إلى سيارة تنقلكم من مكان إلى مكان، أو إلى تلفزيون تتسلون فيه، أو إلى بقالة تشترون منها ما تحتاجونه؟! كان جدّي يضحك عندما يسمع أسئلتي، ويردُّ قائلاً. – زماننا غير زمانكم. مات جدّي الطيب، لكن أسئلتي لم تمت. – ألن يعود جدّي إلى غرفته يا بابا؟! أجاب أبي. – لا يا بني. لقد انتقل جدّك إلى جوار ربه. ادعُ له بالرحمة. ثم قالت أمي، وهي تذرف دموعها. – رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. تقدم أبي نحوي، وركع على قدميه قائلاً. – نريد أن ندخل إلى غرفة جدتك لنرتّب محتوياتها. أتريد أن تدخل معنا؟! شعرت بالخوف لبُرهة، لكنني تشجعت. – أجل. سأدخل معكم. لم يكن في الغرفة أشياء كثيرة. كان فراشه ممدوداً على الأرض، وعلى يمينه صندوق خشبي عليه زخرفات جميلة جداً. أما على يسار الفراش فكانت طاولة صغيرة عليها علب أدوية كثيرة. طوَتْ أمي الفراش، وهي تتمتم بالأدعية. أما أبي فأخذ يجمع الأدوية في كيس كبير. اقتربتُ من الصندوق، وأخذتُ أحدّقُ في الزخرفات المرسومة عليه. خرجت أمي من الغرفة يتبعها أبي، وبعد أن عادا جلسا إلى جانب الصندوق. فتح أبي الصندوق ثم أخرج منه أوراقاً وأكياساً من القماش. وكان يقرأ كل ورقة ثم يضعها جانباً، ويفتح كل كيس ثم يضعه في الجانب الآخر. في قاع الصندوق وجد أبي مصباحاً يشبه مصباح علاء الدين. أخذ أبي يحدق فيه طويلاً. نظر إليّ، فقلت له. – إنه مصباح علاء الدين. وتذكرت قصص جدي ومزرعته ونخيله وأبقاره، ثم قلت لأبي. – هذا هو المصباح الذي كان جدّي يستخرج منه الجنّي ليلبّي لهم الطلبات التي لم تكن موجودة في زمانهم. مددت يدي وأخذت المصباح من أبي. فركتُه كما كان يفعل علاء الدين في أفلام الكرتون، لكن الجنّي لم يخرج. سألت أبي بدهشة. – لماذا لا يخرج الجنّي؟! أجاب أبي مبتسماً. يبدو أنه مات هو أيضاً.