عاد التوتر إلى الشارع التونسي مهد ثورات الربيع العربي من جديد، إذ قامت مواجهات عنيفة بين الشرطة ومتظاهرين محتجين على معرض فني أقيم في ضاحية المرسى الراقية احتوى على عدة رسوم يرون فيها اعتداء صارخا على المقدسات الإسلامية. وأتت هذه الأحداث ضمن سلسلة من الاضطرابات وأعمال العنف التي شهدتها تونس منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي على خلفية ما يصور على أنه صراع بين الإسلاميين و العلمانيين في تونس. وهو صراع كانت أصابع الاتهام تتوجه فيه إلى السلفيين بصفة خاصة متهمة إياهم بعدم احترام القانون وقواعد الديمقراطية وبمحاولة فرض نمط عيش معين بالقوة، ولكن ما اتضح مؤخرا أن هناك في تونس “سلفية علمانية” أيضا تزيد من ناحيتها في تأزم الوضع وتفاقم المشكلة، فالخارطة السياسية في تونس تحتوي على متشددين غير إسلاميين متهمون بالجانب المقابل بالتغريب ومحاولة سلخ تونس من عمقها الحضاري العربي الإسلامي وبالتمادي فيما يوصف بأنه إهانة للإسلام تحت غطاء حرية التعبير والفكر. “الشرق” حضرت المعرض الفني بالمرسى التي تقع بالضاحية الشمالية لتونس ضمن جملة من رجال الفن والسياسة و الصحافة. وكان واضحا فيه تشابه مضمون المعروضات كأن فناني المعرض اتفقوا على مهاجمة الأفكار السلفية، وحضر المعرض بعض الأفراد الذين يظهر على ملامحهم التدين، وعندما رأوا تجاوز الأعمال الهزلية والنقد الموجه للسلفية إلى ما اعتبروه إهانة للدين الإسلامي قاموا بالتحدث إلى بعض المشرفين الذين ردوا بكون الأمر لا يتعدى “إبداعا فنيا” و”حرية للتعبير”، وعندها راح هؤلاء الأفراد يرددون بصوت عال “الله أكبر” وفي المقابل ردت بعض النساء الموجودات بالزغاريد، الأمر الذي أثار بلبلة في المعرض و توترا سرعان ما تجاوز أسوار قصر العبدلية الثقافي وغطى بظلاله كامل التراب التونسي. ولم يقف الأمر عند احتدام الجدل السياسي بين فرقاء السياسة التونسية، بل وصل من جديد إلى حرق المقرات الأمنية وبعض الأماكن السياحية وإغلاق الطرق وصدامات وتهديدات عمت البلاد ما برز معه تهديد خطير للوحدة الوطنية في تونس لا على خلفية طائفية أو عرقية بل سياسية وفكرية بامتياز. وعاشت العاصمة تونس وعدة مدن أخرى على وقع عديدٍ من المظاهرات التي يقودها سلفيون لكن يشارك فيها العدد من التونسيين اللامنتمين تُطالب بسنّ قانون يُجرّم “التعدّي على مقدّسات الشعب التونسي” خاصة بعد تزايد وتيرة الاعتداءات على المقدسات الدينية و عدم احترام مشاعر التونسيين من هذه المسألة الحساسة حسب ما يقوله المتظاهرون. وبالنسبة لمن تحدثت معهم “الشرق” من المحتجين فإنهم يرون في الأمر تكملة لسياسة ممنهجة تحاول تحجيم دور الدين بصورة مبالغ فيها ومحاولة فرض نمط العيش الغربي المادي بالقوة وعناوين حقوق الإنسان والحرية. وقال متظاهرون ل “الشرق”: إنه بالنسبة إليهم فإن المسؤول الأول والأخير عن اشتعال الوضع هم “العلمانيون” و”اليسار الحداثي” الذي تتشابك مصالحه مع مصالح فلول النظام السابق والذين تمادوا كثيرا في التعدي على مقدسات الشعب التونسي الحضارية والدينية. والحقيقة أن المشهد في تونس لم يعد يحتمل استفزازات “العلمانيين” وتمادي “الفنانين والمبدعين” ولا تجاوزات “السلفيين”، فقد وصلت الأمور إلى الحد الذي يجب أن يقام فيه حوار وطني يحدد مفهوم الحرية ويجعل لها ضوابط تخرجها من حالة الميوعة التي أنتجتها الأوضاع المنفلتة بعد الثورة. كما أن الأمر يستوجب الإسراع بوضع قواعد العيش المشترك التي ستكون قاعدة الدولة الجديدة في تونس على أن تكون هذه القواعد محل إجماع وطني يأخذ بعين الاعتبار كل الأطياف السياسية والفكرية في البلاد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ومن السلفية العلمانية إلى السلفية الدينية.