يتساوى النّاس في الموت، ومن لم يمت بالسيف مات بطلقة، الموت بالمجان والحياة مكلفة وباهظة الثمن، وهي من كلفتها أصبحت ليست ذات قيمة، الصمت موت أصغر يمارسه الساسة أمام ما يحدث في سوريا، لم تعد تملك السياسة أكثر من دم الشعب لتناور من خلاله، وأنت لا تستطيع كإنسان أن تطمئن إلى علامات الغضب في وجه حلف الناتو وهو يلقي كلمته المهيبة في مجلس الأمم، ولا لنبرة كلمات هيلاري كلينتون الغاضبة وهي تلقيها من أمام ستار، وفي المقابل تستطيع أيضاً أن تشعر بحرارة الدم وهو يسيل وتشم رائحة البارود من لغة السفير الروسي أثناء تحدثه، وتسمع صوتا يشبه عدَّ الأوراق النقدية في كلمة السفير الصيني. السياسة في منطقتنا تقتل الإنسان بحسرته حينما تفشل، وتقتله بالرصاص حينما تنجح، والشعب السوري دمه مباح سياسياً حتى يصل الساسة إلى ابتسامة تجمعهم في صورة وقرار واحد يقول إن الغرب أيّاً كان سيحارب من أجلنا. قولوا ولو كذباً أن ما تصدره نشرات الأخبار كذب كي نصدقكم فنحن نريد أن نصدّق هذه المرّة، اكذبوا علينا ككل الكذبات التي صدقناها من قبل وكنّا لا نريد ذلك، قولوا إن الأطفال الذين نشاهدهم في نشرات الأخبار يموتون وهم مكبّلون في الحولة والقبير كانوا دمى رخيصة صنعناها بأيدينا، ونحن سنصدّق بل وسنفرح بهذه الكذبة فهي الأصدق! روسيا (بيّاعة) المواقف ظلّت تتسيّد مشاهد الدم بكل هدوء وبرود لأنها لم تجد المشتري الأنسب إلى هذه اللحظة، والصين ظهرت كما لم تظهر من قبل، ونحن جميعاً كعرب أمام الفشل خيارنا الأبدي في عالم السياسة، فحينما يقول لافروف إن روسيا لا تدافع عن النظام السوري بل عن الاستقرار في المنطقة فهذا معناه أن السياسة في روسيا تبيح دماء السوريين وأنه لم تظهر أي ورقة رابحة يمكن استخدامها بديلاً عن دم الأبرياء، صوت الشعب السوري البريء لا أحد يستمع له لأنه وببساطة صوت الإنسان، وهو إلى الآن غير الصوت السياسي وغير الصوت الاقتصادي، وصوت الإنسان المجرّد في عالم السياسة هو الصوت الخاسر دائماً. وإسرائيل شريك السلام مع النظام السوري ورائدة حمّامات الدم ومبتكرة حمامات السلام الملوّنة تظهر دون خجل لتطيّر حمامة السلام نحو الشعب السوري وتدين مجزرة الحولة وهي تريد إقناعنا بأن هذا هو كل ما لديها. العرب يجاهدون للوصول إلى حل لا يملكونه ونبيل العربي قال إن الجامعة العربية لا تدعوا مجلس الأمن لاستخدام القوة أو الخيار العسكري وبقي فقط أن يختم جملته بالعياذ بالله فكل ما يفعله الغرب في مصير الشرق هو الحل المفضّل دائما وهو بكلمته أراد أن يزيل سوء الفهم الغربي للموقف الشرقي الصامت خشية أن يفسر بأنه موقف غاضب لا سمح الله. عنان بين هؤلاء جميعا يردد ما كتبه الماغوط يوماً: (كم أتمنى نصب الفاعل، ورفع المفعول، وتذكير المؤنث، وتأنيث المذكر، وتعريف النكرة، وإنكار المعرفة، لقد مللت الصواب… واشتقت للخطأ).