كيف يصلّي بعضنا و(يحقد)؟ كيف يصومُ و(يظلم)؟ وكيف يسبّح الله ويهلّل ويكبّر صبحاً ومساءً، وفي الوقت ذاته (يكفّر) إخواناً لنا ويظنّ بهم، وبما يقولون أو يكتبون، السوء، على الرغم من أنّ هذا البعض لم يستند في ذلك إلاّ على (غبش) التأويل ولوي أعناق السطور ليؤكّد شيئاً ما هو في نفسه أساساً قبل أن يقرأ ويسمع معتمداً على (التصنيف) الذي أبدع في وضعه دون أيّة قواعد تجعله مستقيماً وصحيحاً. كيف (يتصدّق) بعضنا ويزكّي ثمّ نحسدُ بعضنا بعضاً؟ وكيف (يحجّ) بعضنا رغبةً في الطّهر والنّقاء، ليأتي بعد حينٍ ويكرهُ لغيرنا (الخير) الذي يحبّه لنفسه فقط؟ كيف يقرأ القرآن (بكرةً) ويرحل في سعة رحمة ربّنا، يعطّر فاه بالبخور السماويّ، وفي العشيّ يمضي مليّاً في (التنقيب) عن أخطاء بشرٍ مثلنا، يترصّد هفواتهم وزلاّتهم، يتتبّعها من أجل تشويههم واتّخاذها ذريعة لحكمٍ نصدره عليهم، ظلماً وعدواناً، بأنّهم خارج عالم النّور وكأنّ هذا العالم ملك لنا فقط، نحن الذين أسّسْناه وأقمنا حدوده ونصبنا من أنفسنا (حَرَساً) عليه، والبقيّة ليسوا إلاّ ظلاماً وجحيماً لا يشملهم عالمنا المنير والدّافئ! كيف يوصي بعضنا بالإطّلاع على سيرة وسنّة المصطفى -عليه الصلاة والسّلام- وينْهلُ منها، كل يوم، ويحفظُ عن (ظهر قلب) العشرات بل المئات من المواقف التي تضيء بخلقه الجميل – صلّى الله عليه وسلّم-، وتعبّر عن تعامله الرفيق الرقيق بمن حوله ومع الذين يقفون في الجانب المقابل لكسبهم وتحبيبهم في الدين ومجادلتهم بالحكمة والموعظة الحسنة وحسن الاستماع لهم، وتفّهم بعض الأخطاء التي تحدث من بعض الذين كانوا معه وتوضيحها باتّباع أحسن الأساليب، دون أن يطلق عليهم مدافع الكلمات الثقيلة المتسرّعة، تلك المدافع التي ما زالت تواصل إنتاج ذخيرتها المصنوعة من حديد (الغلوّ) الذي حذّر منه نبيّنا الكريم، وتلبسُ ثوب الحفاظ على الدين من أعدائه الذين يعيشون بيننا ولهم هويّتنا ذاتها، لكنّ بعضنا هذا لا يتراجع، فيستمرّ في رميهم برصاص (المروق) والتآمر على الأمّة وعلى الإسلام وثوابته ويصِفُهم بأعداء الدين وأعداء الله! كيف يظلّ يدعو إلى الاقتداء بسنة سيّد الخلق -صلى الله عليه وسلم- وإلى اتّباع ما جاء في هديه القويم من حثٍّ على كل خير ونهيٍ عن كل شرٍّ وفتنة، فيكتب أحاديثه في بعض (خُطبنا) ويستشهدُ بها في ندواتنا ومواعظنا، يأمر الناس بالبرّ والتّقوى وترك الظلم، يُعْلي من فضل التّراحم والتكافل والتناصح فيما بيننا، كما يشدّد على أهمية الوقوف مع الحق وكلمة الحق ونصرة المظلوم.. وأن نكون أمّةً وسطاً، لا إفراط ولا تفريط ولا تزمّت أو تشدد، ليخرج بعد كل ذلك إلى ساحة الحياة فيأكل لحوم أشقّائنا من بني آدم عقب أن يميتهم، ويهتك أعراضهم ويقول عنهم ما ليس لنا به علم، ويخرب بيوت الآمنين الطيبين السذج!