الذين عاشوا قبل عدة عقود مضت ما عُرف ب (الثورات العربية) يذكرون كيف قفز مجموعة من العسكر على السلطة في بعض الدول العربية كالعراق وسوريا واليمن بشعارات ليست سوى مجموعة أوهام لعل أولها القضية الفلسطينية والتحرر من العمالة ثم ما لبثوا بعد فترة وجيزة أن نسوا كل ماجاءوا به من شعارات ليصبح همُّهم الأول هو السيطرة على مقدرات بلادهم وثرواتها وعاثوا فسادا، وتحوّل ثوار الأمس إلى أنظمة ديكتاتورية بشعة. رأينا ذلك في العراق وسوريا واليمن وشهدنا كيف تحولت تلك الأنظمة إلى أنظمة بوليسيه لم يكن يهمها سوى السيطرة على البلد، والزج بالمعارضين في السجون والمتاجرة بقضايا شعوبهم. وعندما ثار أبناء البلد بعد عقود مطالبين بالإصلاح أولاً وتغييرالنظام بعد فشلهم في تحقيق الإصلاح فإن ردة فعل تلك الشراذم كانت إما أن نحكمكم أو أنه يحق لنا قتلكم! منطق عجيب وأهوج شهدناه في ليبيا واليمن ثم سوريا مؤخراً، وهو منطق يؤكد سوء فهم تلك الثلة لمفهوم السلطة والديموقراطية، التي زعموا أنهم جاءوا لسدة حكم البلد لتحقيقها. تُثبت مثل هذه السلوكيات مدى سوء فهم السلطة وتناقلها وأسس الديموقراطية الحقيقية وأنهم يجهلون كل شيء ماعدا التمسك وبشراسة بسدة الحكم في بلدهم وحقهم المشروع (!) حتى في توريثها. والأعجب من كل ذلك هم المنتفعون الذين أحاطوا بهم وراحوا يحمونهم سواء بالقتل لحسابهم كحالة شبيحة سوريا أو المرتزقة الذين أتى بهم نظام القذافي لحمايته من مواطني بلده الذين أتوا به لسدة الحكم. لقد كشف ما عُرف بالربيع العربي الوهم الكبير الذي عاشته شعوب تلك الدول ولعقود طويلة، والذي أتى على خيرات البلاد وحولها كما هو حال العراق اليوم لدول متخلفة تحكمها شراذم من العصابات والمليشيات، ولا يكاد مواطنوها يجدون قوت يومهم. فكان الله في عون شعوب تلك الدول، التي تحولت أنظمتها إلى أنظمة دراكولية امتصت دماء شعوبها وأتت على الأخضر واليابس في بلادها!