طالعت البحر، فإذا هو صامت. طالعت نفسي، فإذا أنا صامتة. اختار أبي هذا الشاطئ لنقضي عليه إجازة نصف السنة الدراسية. هو الآن مع أمي يمشيان، يمسك كل منهما يد الآخر. تحب أمي أبي كثيراً، وتصارحه بالحب أمام الجميع. يحب أبي أمي كثيراً، ويصارحها بالحب أمام الجميع. هما يحبانني، ويقولان لي دائماً. صارحي الجميع بحبك. أنا أحبهما. لكنني صامتة الآن مثل هذا البحر. لا أمواج ولا حركة لهذا البحر. صديقتي هدى لم تعد ترغب في محادثتي. هكذا، فجأة، انقطعت عني، وصادقت غيري. - ماذا أفعل أيها البحر، كي ترجع هدى لي، كي نراجع سوياً دروسنا التي تلقيناها في الحصص، لكي نتبادل الكتب والقصص. قل لي أيها البحر. ماذا أفعل كي تعود صديقتي الوحيدة لي؟ صرخت بأعلى صوتي. - هيا أيها البحر، تكلم. بعد دقائق، بدأت الأمواج تتحرك بخفة، وشيئاً فشيئاً ازدادت حركة الموج. كانت الشمس تغطس في البحر، فتجعله أحمر. ورأيت بعد أن غرقت تماماً فيه، خيوطاً من الدم تتصاعد في الهواء. رأيت الخيوط تشتبك مع بعضها، إلى أن صارت شخصاً يشبه صديقتي هدى. - لا، لا. لا يشبهها بل هي هدى. صرخت بها. - هدى، أهذه أنتِ؟! أجابتني. - أجل. أنا هدى يا منيرة. خفت منها ومن منظرها الأحمر في بداية الأمر، لكنني تشجعت. سألتها. - لماذا «قاطعتيني» يا هدى؟! أخذ لونها يتبدل بالتدريج، من الأحمر إلى البرتقالي إلى الأصفر الى الأخضر العشبي، ثم سمعتها تقول لي بصوت به رعشة الأمواج. - كنت أعتقد أنكِ أنتِ التي قاطعتيني يا منيرة. - أنا؟! أنا يا هدى أقاطعك، وأنت صديقتي الوحيدة؟! عادت ألوانها تتغير من الأبيض إلى البرتقالي، وقبل أن تصل إلى اللون الأحمر، صرخت بها. - هل أغضبتك في شيء يا هدى؟! عادت ألوانها للأخضر العشبي. - اسمعي يا منيرة، نحن نراجع دروسنا سوياً، نتبادل الكتب والقصص. والقصص يا صديقتي، لا تحمل عواطفنا. كنت أنتظر أن أحس بعواطفك لي، وحين لم أرها، تركتكِ. قلت لنفسي. - هل هذا هو صوت هدى؟! ركضت إلى أمي وأبي، والهواء يتلون بالأخضر العشبي، وحين وصلت إليهما، صرخت بهما. - أحبك يا ماما، أحبك يا بابا. ثم همستُ لأمي. - سأقول لصديقتي هدى شيئاً بعد أن أعود إلى المدرسة. ضحكت أمي بصوت عال. - هدى ستقول لصديقتها منيرة شيئاً. في هذه اللحظة كان الناس يتقافزون على الشاطئ فرحين بالأمواج البيضاء وبالهواء الملون بالألوان الخضراء العشبية.