تشكل الأوضاع الجيوسياسية في الشرق الأوسط واحتمال تصعيد الموقف الأمريكي – الأوروبي تجاه إيران، تأثيرا كبيرا في ارتفاع أسعار النفط. وعلى الرغم من عدم وضوح الآفاق المحيطة بأسعار النفط على الأجل القصير وشيوع مشاعر عدم اليقين، فإن هناك ما يمكن وصفه ب «مدى سعري متوقع»، يحظى بالإجماع، أو ما يقترب من الإجماع لدى المحللين.وكان مسار الأسعار العالمية للنفط خلال العام الماضي قد تعرض إلى موجتي هبوط رئيستين، وإن كانت الأسعار قد أنهت العام قرب حاجز المائة دولار للبرميل. والمفترض في الأحوال العادية أن يضع المحللون نصب أعينهم حدوث تباطؤ في حركة التجارة العالمية كمقدمة لانزلاق أسعار البترول، غير أن أسعار البترول تتحدد بصورة أكبر بفعل تصاعد المخاوف من حدوث اختناقات في الإمدادات بأكثر مما تتأثر بانخفاض مرتقب في حجم الطلب. فمع اقتراب عام 2011 الماضي من نهايته، تحول مضيق هرمز والأوضاع المحيطة به إلى أحد العوامل الأساسية ضمن حسابات المحللين بشأن مدى توافر الإمدادات العالمية من هذه المادة الخام الاستراتيجية مستقبلا. وقبل ذلك ببضعة أسابيع وتحديدا في شهر نوفمبر حذر «بيت ستراتفور للتحليل الجيوسياسي» من أن إيران لديها القدرة على التحكم أو حتى إيقاف حركة السفن، وفقا لما تقرره هي بالدرجة الأولى. واكتسب ذلك التحذير مصداقية بعد شهر تقريبا من صدور نشرة «ستراتفور» عندما أقدمت إيران أواخر شهر ديسمبر الماضي على إجراء مناورات بحرية ناجحة، اختبرت فيها عددا من الصواريخ متوسطة وطويلة المدى. ويرى المحللون أن مضيق هرمز قد يصبح «عاملا مقيدا» لأي خطوات قد ترى الولاياتالمتحدة اتخاذها للرد، إما على طموحات إيران النووية أو توسيع مجال نفوذها في العراق وعلى امتداد الشرق الأوسط عموما. وكان محللو «ستراتفور» قد دأبوا» على إصدار تحذير تلو الآخر من «أن إيران، إذا ما تعرضت لضغوط حادة من جانب الولاياتالمتحدة، أو المجتمع الدولي، فإن لنا أن نتوقع أن تثأر حكومة طهران من خلال التهديد بوقف إمدادات النفط العالمية.ولم يستغرق الأمر طويلا قبل أن تتأكد صحة هذه التقديرات، ففي الأيام القليلة الأخيرة من عام 2011 صدر تحذير مباشر بفحوى هذا التهديد الصريح على لسان نائب الرئيس الإيراني محمد رضا راحمي، وذلك ردا على قيام إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإعداد مشروع قانون جديد يقضي بفرض عقوبات إضافية على الاقتصاد الإيراني الذي كان يتعرض بالفعل إلى ضغوط كبيرة.يشار أن عائدات النفط الإيرانية تشكل 50% من إجمالي حجم العائدات السنوية لإيران، في الوقت الذي استهدف مشروع القانون الأمريكي صادرات النفط الإيرانية بشكل محدد. وفي المقابل، أعلن راحمي صراحة أنه «في حالة إلحاق ضرر بصادرات بلاده النفطية، فإن قطرة واحدة من النفط لن تتدفق عبر مضيق هرمز».وتوقع بنك باركليز أن يتراوح المتوسط العام للأسعار في حدود 115 دولارا لخام برنت، و105 دولارات لخام غرب تكساس الأوسط. في حين توقع محللو ميريل لينش 108 دولارات لخام برنت و101 دولار لغرب تكساس الأوسط. يلي ذلك دويتش بنك الذي توقع محللوه، على غرار باركليز، 115 دولارا لبرميل خام برنت و 105 دولارات لغرب تكساس الأوسط، وستانفورد تشارترد، بمتوسط سعري 107,5 دولار لخام برنت و100,25 ل «غرب تكساس الأوسط».أما في أقصى الطرف الآخر، فيبرز الاتجاه الثاني الذي يتوقع استمرار التوتر في الخليج، ولكن بشكل محكوم وغير متواتر، مع انخفاض الطلب على النفط. وهنا تضم القائمة الأكثر تشاؤما، التي توقعت انزلاق الأسعار العالمية للنفط في 2012، عددا من مراكز أبحاث الطاقة مثل: «كابيتال إيكونوميكس» بمتوسط سعري 88 دولارا لبرميل خام برنت، و»بتروماتريكس « ب 88.75 لنفس الخام، و»بيرنستاين» ب 94 دولارا. غير أن نشرة بلومبيرج، التي استطلعت آراء 27 من كبار المحللين، عبرت عن توقعاتهم بأن يتراوح متوسط أسعار خام غرب تكساس الأوسط في حدود مائة دولار للبرميل خلال 2012، وهو مايزيد بمقدار 25 سنتا عن الرقم القياسي البالغ 99,75 دولار في2008.