يعاني سكان أحياء جنوبي العاصمة الرياض من سيطرة بيئة وصفوها بغير الصحية في شوارعهم وبين منازلهم، وانبعاث روائح كريهة اعتادوا على استنشاقها طيلة سنوات ماضية، بسبب قربهم من محطة معالجة مياه الصرف الصحي الواقعة على الطريق الدائري الجنوبي. وأشار عدد من أهالي هذه الأحياء التقتهم «الشرق» إلى أن الضرر يتزايد عليهم كل يوم في ظل التوسع العمراني في المنطقة، إلى جانب تواضع الإمكانات المادية التي تكاد تكون سمة عامة بين سكان تلك الأحياء، فيما اتفقوا جميعا على ضرورة نقل محطة المعالجة من موقعها الحالي، والبحث عن موقع آخر لها بعيدا عن المساكن والأحياء. أسوة ببقية الأحياء ورصدت «الشرق» خلال جولة في حي اليمامة جنوبي الرياض أبرز المشكلات التي يعانيها سكان تلك الأحياء بشكل عام، فيما أعربوا عن أملهم أن تحل مشكلاتهم وأن تصل أصواتهم ومطالبهم إلى المسؤولين للعمل عليها، والوصول لحلول تساعد في رقي الخدمات وتطوير الأحياء على النمط المتعارف عليه، أسوة ببقية الأحياء في المناطق المخدومة بشكل جيد، في حين تحدثت مجموعة من المواطنين والمقيمين في الحي مبدين رغبتهم في تحسين أوضاعهم والعمل على إيجاد حلول جذرية وعاجلة. تراكم الفواتير والتقت «الشرق» المقيم فلسطيني الجنسية محمود خليل الخطيب، الذي يسكن حي اليمامة منذ ما يقارب 12 عاما، حيث تحدث عن معاناته الشخصية من ناحية ضعف إمكاناته المادية وظروفه الاجتماعية و»مرارة العيش» -حسب وصفه- التي ضاعفها تواضع الخدمات الأساسية المقدمة لسكان الحي. عمل الخطيب صيدلانياً في مركز اليمامة الصحي في الحي نفسه، وأُقيل منذ فترة طويلة بسبب ضعف بصره، بينما لم يجد بعد إقالته حيلولة دون خط الفقر، سوى مساعدات وصدقات يمد أهل الخير أيديهم بها إلى أفراد أسرته الخمسة بين الحين والآخر، حيث تتكون أسرة محمود من خمسة أبناء ذكور، لا يتجاوز عمر أكبرهم عشرين عاما. أما عن جانب الخدمات في الحي، قال محمود «تتأخر علينا فواتير الكهرباء باستمرار، وتتراكم علينا لأشهر عديدة، ثم تأتينا دفعة واحدة إما أربع فواتير أو ثلاث، وعلى هذا الحال»، وأضاف «بسبب هذا التراكم الكبير، قد نعجز عن السداد، خصوصا أنها تحمل مبالغ كبيرة، ونحن نعيش على مساعدات أهل الخير». روائح كريهة كما رصدت «الشرق» معاناة سكان المناطق المجاورة لمكبات مياه الصرف الصحي جنوبي العاصمة الرياض، حيث تُجمع في مكان قريب جداً من حي اليمامة وما يجاوره من أحياء تعاني نفس الإشكالية، تحمل إلى بيوتهم الروائح الكريهة مع كل لفحة هواء، وتتربص بهم وبأطفالهم الأمراض والأوبئة نتيجة تلك المياه الملوثة، إضافة إلى معاناتهم من الانقطاعات المتكررة للكهرباء بشكل مستمر، لا سيما في أيام الصيف واشتداد حرارة الطقس. محطة بديلة لم ترَ النور أما المواطن عبدالرحمن محمد الهويشل، الذي يسكن حي اليمامة منذ ما يقارب ثلاثين عاما، فقال إنه اعتاد وأسرته الروائح الكريهة المنبعثة من مكبات مياه الصرف طيلة هذه السنوات، وأضاف «القضية أصبحت ذائعة ومعروفة، كما أصبحت مصدر تندر في بعض المسلسلات الرمضانية الكوميدية، وتناولتها وسائل الإعلام المختلفة، بينما لا زلنا نتجرع مرارتها ونتنشق نتانتها صباح مساء». وزاد الهويشل «قرأنا في الصحف منذ أكثر من عقدين من الزمان أن البلدية بصدد إنشاء محطة جديدة للصرف الصحي بديلة عن المحطة الحالية، تبعد عن الرياض أكثر من عشرين كيلومترا، ومرت السنون دون أن نرى شيئا حتى الآن». شر لا بد منه في حين شارك الهويشل الرأي جاره عبدالعزيز عبدالله الربيع، وهو مواطن في العقد السابع من عمره، يقطن محلاً بالإيجار، يرتاده للنوم وليس للتجارة، معتبرا أن سيطرة الروائح الكريهة على حيهم «شر لا بد منه». مؤكدا أن أهالي الحي «لم يلمسوا أي بوادر أمل من قبل المسؤولين لحل هذه المشكلة ووضع الحلول لها»، وقال «غرفتي تقع مباشرة على الشارع، وفيها منافذ للهواء، لكنه هواء يختلط بروائح مياه الصرف الصحي، الأمر الذي ضرني صحياً، وفوق معاناتي مع المرض والفقر، لم أجد أي حيلة للانتقال عن هذه الحجرة، التي لا تتجاوز 12 مترا مربعا، وتشمل دورة مياه ومطبخ». الانقطاعات «أمر طبيعي» وأكد كبير المهندسين سابقاً في شركة الكهرباء السعودية المهندس خطاب البلبيسي، أن انقطاعات المولدات الكهربائية في فصل الصيف «أمر طبيعي، يحصل في أكثر الدول، بسبب الضغط الشديد على المولدات الكهربائية»، وأضاف «لكنها سرعان ما تعود للعمل»، فيما وجه أصابع اللوم بهذا الخصوص إلى المواطنين، متهما إياهم بنقص الوعي في استخدام وترشيد الكهرباء، واتهم آخرين بعدم التعاون مع شركة الكهرباء، حيث اعتبر أنهم يستهلكون الكهرباء بشكل «مسرف للغاية» و»في غير حاجة»، مما يؤدي إلى وقوع مثل هذه المشكلات المتكررة، من انقطاعات وأعطال وغيرها. وبيّن البلبيسي أن تأخر الفواتير لبعض الأحياء والمنازل «عادة ما تكون مشكلات عمالية وليست فنية»، موضحا أنها بسبب نقص الكوادر من الموظفين قارئي العدادات، حيث إن الشركة «ما زالت تعاني هذا الأمر بسبب قلة العمالة المحنكة في هذا الجانب». مشروع تحسين من جهته، كشف ل «الشرق» مدير وحدة أعمال مدينة الرياض في شركة المياه الوطنية المهندس نمر بن محمد الشبل، أن الشركة تعمل حاليا على تنفيذ مشروع تحسين أداء محطة معالجة المياه جنوبي الرياض، والرفع من مستوى جودتها ليواكب التطورات العالمية الحديثة المعمول بها في هذا المجال، الذي سيسهم بدوره في معالجة الروائح المنبعثة من تلك المحطة، مع مراعاة المواصفات والمعايير المعتمدة للمحافظة على الصحة والبيئة، مشيرا إلى أن شركة المياه الوطنية ترحب بأي طرح يخدم الوطن والمواطن ويحقق المصلحة العامة. غياب عمدة الحي من جانب آخر، استنكر سكان حي اليمامة غياب دور عمدة الحي سعد السويدان، في نقل معاناتهم وتبني مطالبهم، إلى جانب غياب دوره الاجتماعي في مساعدة المحتاجين من ذوي الدخل المحدود، والوقوف معهم والسؤال عن أحوالهم. فيما حاولت «الشرق» جاهدة مواجهة العمدة السويدان بانتقادات سكان الحي، غير أنه تعذر بانشغاله أكثر من مرة عن الإجابة والرد. .. والبلدية لم تتعاون بدورها، تواصلت «الشرق» مع مسؤولين في بلدية البطحاء، للإدلاء بمعلومات أو إفادات حول معاناة سكان أحياء جنوبي الرياض، والرد على شكاوى المواطنين، إلا أنه لم يتم التعاون من قبلهم، معللين ذلك بوجود متحدث رسمي باسم أمانة منطقة الرياض، حيث وجهنا لأخذ التصريح من المتحدث الرسمي باسم الأمانة إبراهيم الدعيلج، إلا أنه لم يتم الرد على اتصالاتنا المتكررة على هاتفه الجوال، ولا عن طريق هاتف المكتب ولا الفاكس. الربيع في غرفته المتواضعة
المقيم محمود خليل يشير إلى مولد كهرباء متهالك وسط الحي