حين حضرت المريضة إلى المشفى، كان الورم الدموي في الذراع قد نضج كفاية للانفجار، وفي أول مواجهة للطبيب مع الأنورزم (انتفاخ الشريان) فرقع وانفجر؛ فرش الدم كأنه حنفية مفتوحة، أصاب الزميل كثير من الدم، وكانت المريضة قادمة لتوها من أمريكا حاملة الإيدز. في حالة ثانية طلبت أنا شخصياً لرؤية مريضة أجريت لها عملية فستولا، وهي وصلة بين الشريان والوريد، يقصد منه نقل الدم الشرياني إلى السطح عبر الأوردة ف (يتشرين) الوريد، ويصبح غليظاً قاسياً منتفخاً مثل الشريان النابض. كان محل الفستولا قد تغير وانتفخ، وبدأ بمظاهر الانهيار، وهو هنا الانفجار وكل عواقبه الخطيرة. أذكر تلك المريضة السودانية التي أجري لها عملية شريان صناعي في الذراع، بقصد الغسيل الكلوي، في مشفى خاص، والتهب وفرقع؛ فأحضرها زوجها وقد تصفى دمها عفواً ساح كله إلا قليلاً فلما انتهت العملية، وأغلقت الفتحة، ونقلت إلى العناية المركزة لم يصمد قلبها فماتت؛ ومنه نعرف أنَّ من دخل رحلة الفشل الكلوي قصر عمره والأعمار بيد الله فقد يسبقه إلى القبر شاب صحيح قوي؛ كما رأيت موت الباكستاني على طاولة العمليات بعد أن تمزق عنده الوريد الأجوف السفلي وخسر معظم دمه؛ فلما فتح الجراحون المكان كان في سكرات الموت. المريضة التي رأيتها نقلت على وجه السرعة إلى قاعة العمليات وكان نصيبي جرحاً منها فأصابني الخوف من انتقال مرض التهاب الكبد الوبائي من نوع سي (HCV+) إلي فقد كانت حاملة لهذا الفيروس الخبيث؛ فما زلت أجري الفحوصات وأتأكد حتى حمدت الله على السلامة. أحياناً ونحن في العمليات خاصة في جراحة الأوعية الدموية التي تقوم بالأساس على فتح كهوف الدم التي يخاف منها الجراحون العامون. لم يكن حظنا جيداً يوماً فنحن نريد دماً قوياً قادماً من مكان الوصلة والاتصال، ولكن رشة الدم انتهت في عين الزميل المساعد في العمليات! هبَّ مذعوراً وكأنَّ ثعباناً لسعه، وهرع إلى غسل عينيه مراتٍ ومرات، وبدأ في رحلة الفحوصات الدموية، كي يتأكد أنَّ ليس ثمة انتقال للمرض إليه، ذلك المرض الذي تحمله المريضة، والذي كان الجراح يحاول مساعدة المريضة في محنتها. ليس شرطاً أن يصاب بالمرض، لقوة الجهاز المناعي عندنا، ولكن الاحتمال وارد؛ فأنا أعرف من دمشق جراحاً رحل إلى أمريكا للاختصاص، ورجع في كفن من وراء التهاب الكبد الوبائي الخطير. الدرس المستفاد من هذه القصص أسرار عمل الجراحين وتعرضهم للأخطار في خدمة المريض وأهله لو كانوا يعلمون.