لنختصر المسافة بين الحاضر والمستقبل، ولنقطع شك احتمالية تكرار الواقعة بيقين عدم وقوعها، بطلب وزارة التجارة التدخل لفض النزاع، كما تفعل دائماً في قضاياها العمالية، وهذه المرة تتدخل لمنع دخول «المناكير» إلى البلد، حتى لا تكون سبباً في إيقاظ الفتنة وإشعال الفتيل وإشغال المجتمع. لدينا قضايا كثيرة أهم من متابعة قضية فتاة صوَّرت رجل هيئة ودخلت معه في حوار سقيم، وبغض النظر عن من هو صاحب الحق بينهما، المسألة لا تعدو كونها حدثاً عابراً، وفي كل يوم تتكرر مثل هذه المواقف عشرات المرات، طالما هناك رجل هيئة يمارس عمله الاحتسابي في السوق وهناك فتيات وشبان يتجولون أو يتسكعون أو حتى يقضون وقت فراغ لا ينتهي. لدينا من القضايا الشائكة ما يمكن أن نشغل به الرأي العام لسنوات، دون الحاجة إلى التوقف عند فتاة المناكير، وكيف أنها تطاولت على رجل الهيئة، وهدّدته برئيسه، وكيف أن الرئيس يتحمّل المسؤولية لأنه أصدر قراراً بعدم الملاحقة، أي مضمون تحمله هذه القصة، غير أنها هدر لطاقات التفكير والتخيّل الإبداعي السعودي. هناك الفساد، أو لندع الفساد جانباً، فقد أصبح حديث من لا حديث له، وأصبحت مفردة «الفساد» جزءاً من تراكيب الجمل على ألسن المواطنين، لكنه كالحديث عن الأساطير، فالفاسدون يمارسون عملهم بحرفية كبيرة، حتى أصبحوا كالعنقاء التي نسمع عنها ولا نراها. هناك المشروعات المتعثرة، وحتى المشروعات المتعثرة ملَّ الناس من الحديث عنها. لنتحدث إذا عن «حافز» واشتراطاته، أو عن «جدارة» وإشكالاته، أو لنتحدث عن مشاركة السعوديات في الأولمبياد، ولكن أخشى أن يعيدنا هذا الحديث إلى المربع الأول: الهيئة، لا يهم لنتحدث عن الهيئة، المهم أن يكون حديثاً بلا «مناكير».