نعم هذا ما فعلته الشرطة، تدخلت لإنقاذ الجن من الإنس، وذلك بعد أن عزم مجموعة من الشباب «الثائر» في عدد من المدن السعودية الدخول مع الجن «المحتل» في مواجهة تاريخية. الأمر يبدو في ظاهره مزحة، وهو في إطاره العام تجمع شبابي استوجب تدخل الأمن لمنع وقوع أي مشكلات بينهم، لكن هذه التجمعات حملت في طياتها كثيراً من الرسائل والتضمينات المقصودة وغير المقصودة. لو بدأنا بمستشفى عرقة الرياض حيث شرارة الانطلاقة الأولى للغزوات المباركة، سنقول إن الشباب حاولوا كسر حالة روتينية معينة ولفت أنظار المجتمع وربما البحث عن المتعة والضحك. لكن الحقيقة أن الشباب لفتوا النظر إلى نوع من أنواع الفساد، مشروع مستشفى مهجور منذ سنوات لم يستفد منه الأهالي ولم تترك أرضه لإقامة مشروعات أخرى، مع صمت مطبق من الجهات المسؤولة. انتقلت الحالة إلى أبها، وفيها اقتحم الشبان مبنى مهجورا، وهذا المبني تعرض لخلل فني في الإنشاء ،ووقف منتصبا منذ سنوات دون تدخل رسمي لدراسة وضعه ومحاسبة القائمين عليه، ففضل الشباب أن تكون له كلمة مع جن مدينتهم، لعلها تصل إلى أسماع الأنس. تكرر المشهد في بريدة والخبر، وأظن أنه سيتكرر كثيرا في بقية المدن الأخرى، فالشباب الذين يطلبون مواجهة الجن، هم في حقيقة الأمر وجدوا أن أفضل طريقة لمواجهة الأنس تكون من خلال الجن. نعم شبابنا لا يخافون من الجن، بل هم الجن أنفسهم، وبإمكانهم صنع الكثير من القليل إذا ما سنحت لهم الفرصة، وإذا لم تتحرك الجهات المعنية لإزالة المباني المهجورة أو المسكونة بالجن «مجازا»، فإن الشباب سيواصلون غزواتهم، وعلى الباغي تدور الدوائر.