دفعت الاشتباكات الفكرية بين مختلف الأطياف السياسية في مصر، “هيئة الكتاب” إلى المسارعة في طبع كتاب “تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده”، لمؤلفه محمد رشيد رضا، لتعرض آراءه حول الدولة الدينية، وفكرة المواطنة والإسلام السياسي. وأقيمت ندوة ناقش فيها المشاركون العمل الصادر عن سلسلة تراث النهضة، وأكدوا على أن السلطة في الإسلام هي سلطة مدنية في الأساس، وشددوا على أن الإسلام ضد الدولة الدينية، ولا يدعمها، وأن الفكر الإسلامي يحرض على حرية الرأي. واتفقوا على أن الإسلام يحمي حقوق الإنسان بصفة عامة، وأن أسس فكرة المواطنة لا تتنافى مع الدين. وتحدث في الندوة الدكتور مصطفى لبيب، والدكتور أحمد زكريا الشلق، والدكتور عبد العاطى محمد، وأدارها الدكتور أحمد زايد، الذي لفت إلى أننا في أشد الحاجة الآن لاستدعاء التراث لتحقيق نهضة تعني القيام والانطلاق. وقال: إذا استقى المجتمع شيئاً من الماضي، فإنما يستقي ما يبعث على النهضة، ويستوحي روح العقل والبصيرة، وينظم الحياة وفقاً لمبادئ العدل والمساواة، في أفق قانونية، ليصبح للقانون السيادة حين نختلف. وحدد زايد مشكلة النهضة المصرية بالانقطاع، وأنها لم تسر في خط مستقيم، وتعثرت كثيراً. ووصف الدكتور مصطفى لبيب، محمد عبده، ب”مجدد الفكر الإسلامي”، وقال إنه من بذر فكرة الفكر الفلسفي في مصر، موضحاً أن الإسلام يدعو إلى حرية التفكير والرأي، وأن الدين يكتمل بالعقل، والقرآن يحقق مصالح كل الناس على اختلاف دياناتهم. وقال إن تفسير الإمام للقرآن الكريم يعد من أهم التفاسير القرآنية، وأن عبده عني بقضيتين خطيرتين، الأولى: علاقة الدين بالعلم، وهي المشكلة التي حسمها حين قال: لا خصومة بين الدين والعلم، وأن العلم تمام للإيمان الديني، والقضية الثانية هي الدين والمواطنة، وكان يقول أيضاً: إن الإسلام يحمى حقوق الإنسان بصفة عامة، وأسَّس فكرة المواطنة، وأن العمل على تزكية هذه الفكرة لا يتنافى مع الإسلام. وأشار الدكتور عبد العاطي محمد إلى أن من يتأمل آراء عبده يجد الكثير مما يمكن الاستفادة منه في الوقت المعاصر، حيث كان اهتمامه الأول بالتعليم، فضلاً عن انغماسه في السياسة، وهو ما جعله يقدم للمصريين فكره حول قوانين المدنية الحديثة، وكيف أن القانون هو المقابل العكسي للقوة، وهو الذي يهذب البشرية، إضافة إلى حديثه حول المواطنة والصالح العام، وتحفيز المصريين على الارتقاء بمصر في شتى المجالات، والتضحية بالعمل العام، لافتاً إلى أن عبده أعطى حرية الإرادة المطلقة في التفكير، وليس العقلانية فحسب، وكان له مشروع في تجديد الفكر الإسلامي، ومشروع في التعليم، وكان يميل إلى تنشئة البشر وإعدادهم وتهذيبهم بالعلم والأخلاق، ولم ينحز للمنهج الثوري في التغيير، ولكنه من ناصر الإصلاح. وكشف رئيس تحرير سلسلة تراث النهضة، الدكتور أحمد الشلق، عن أن رئيس الهيئة، الدكتور أحمد مجاهد، بمجرد أن كلَّفه بالإشراف على سلسلة عن تراث النهضة أول ما خطر على ذهنه هو عبده، واعداً بتقديم أعمال حول رواد النهضة. وقال: لم يكن يوجد في الماضي تيار يهاجم تياراً آخر، وتعايشت جميع التيارات لتصب جميعها في النهضة المصرية وفكر الحداثة. غلاف الكتاب أروى حسن | القاهرة | عبد الصبور بدر