سمعت شيخاً من مشايخنا يتحدث في التلفاز بلباقة، فأنصت له، وبكل حواسي كنت أستمع إليه، بعد أن فاتتني المقدمة. وقد استوقفني مصطلح استخدمه الشيخ لم أسمع به من قبل، فقد كان يتحدث عن علاقتنا ب«الآخر» وكرر «الآخر» في كلامه، حتى ظننت أنه سيذكره بالاسم، ولكنه لم يذكره، فقلت لعل هذا الآخر فعل خطأً طبياً، ولا يريد الشيخ فضحه، كعادة إعلامنا، ولكن الشيخ كان يتحدث عنه بود! تحدث عن العلاقة ب»الآخر» وفهمت أنها علاقة المسلمين ب»الآخر»، وأخذ الشيخ في تكرار هذا «الآخر» حتى أنه في ختام كلامه قال: و»آخر» دعوانا أن الحمد لله رب العالمين». ثمّ أصبحت في حيرة من أمري، من هذا «الآخر» الذي لم أسمع به من قبل؟!ذهبت مباشرة إلى محرك البحث «قوقل» وأدخلت «الآخر» فظهرت لي آيات كريمة فيها اسم الله (الآخر) ولكن اسم الله (الآخِر) بكسر الخاء، وليس بفتحها كما ضبطها الشيخ، ولكن «قوقل» لا يفقه في الحركات!قلت علّني أجد معناها في معاجمنا، فذهبت إلى معجم العين، فما خرجت بنتيجة! فجلست وحيداً أتذكر كلام الشيخ، وأحاول استنباط المعنى من خلاله، فهمت أن الشيخ يقصد ب»الآخر» غير المسلمين، ولكن مَنْ بالضبط؟هل يقصد اليهود؟ ولكن اليهود ذُكِروا في القرآن بالاسم، تتبعهم اللعنات تترى، كما جاءت الإشارة إليهم في صدر المصحف ب»المغضوب عليهم» فقلت لعله يقصد المسيحيين، ولكنّ الله في القرآن ذكرهم باسم النصارى، وأشار إليهم في صدر المصحف ب»الضالين» ووصف بعضهم بالكفر، وآخرين بالشرك. قلت لعل الشيخ يقصد البوذيين، أو المجوس، ولكن لا مكانة للمجوس اليوم، والبوذيون أنفسهم يفتخرون باسم بوذا ويضعون له الأصنام – وقيل هي تماثيل والأولى أصح. قلت لعل الشيخ يقصد العلمانيين، ولكن العلمانيين يتداخلون مع الليبرالية ويفتخرون بها؟ وهجم عليّ خاطر رهيب، فهمت منه أن المقصود ب»الآخر» هو الشيطان! ولكني تذكرت أن الله سماه «إبليس» وورد اسمه 11 مرة في القرآن فلماذا نسميه «الآخر»؟! وذهبت أبحث في أمهات الكتب عن هذا «الآخر» فوجدت له أقوالاً كثيرة، تختلف عمّا اتفق عليه، ففي أكثر من موضع وجدت أقواله بهذه الصيغة (وفي قول «آخر») فعرفت أن قوله يعتد به، ولكني ذهبت أبحث في كتب الأعلام، وكتب الجرح والتعديل عن هذا «الآخر» فما وجدت له ذكراً ولا خبراً! قلت الله المستعان من هذا «الآخر» لعل الشيخ قصد علاقتنا ب»الآخرة» وسقطت الهاء سهواً، ولكنه ذكر في العلاقة أموراً عجيبة لا تصلح ل»الآخرة»! وظللت محتاراً من هذا «الآخر» المقصود، وكل ما أعرفه أنه مفرد وليس جمعاً، وإلا لقال «الآخرين» وهو مذكر، أو قال «الأخرى» وهو شخص عاقل، لأن الشيخ ذكر مراراً ضرورة التودد إليه! ولكنني إلى هذه اللحظة لم أعثر على هذا «الآخر»، ولم أدرِ من المقصود به؟ ومن كان يعرفه أو تعرف على ما يدلنا إليه، فليخبرنا مأجوراً. وآخر -بكسر الخاء- دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.