ورد في كتاب النهاية لابن الأثير أنَّ «الاحتساب في الأعمال الصالحة وعند المكروهات، هو البدار إلى طلب الأجر، وتحصيله بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البر، والقيام بها على الوجه المرسوم فيها، طلباً للثواب المرجو منها» فمن الظلم، وعدم الإنصاف، أن تكون عبادة الاحتساب ضحية الاجتهادات الفردية! وكثيرًا ما نسمع عنها بين الحين والآخر، من بعض الأشخاص الذين يسمُّون أنفسهم «محتسبين» وبعضهم للأسف يقومون بأعمال شغب ليس إلا من تلقاء أنفسهم، دون الرجوع إلى أصحاب الاختصاص، والحل والربط، فيما يرونه منكرًا، فهم بعيدون عن فقه أصول الاحتساب، جملةً وتفصيلاً ، فلا هم بفعلهم أمروا بمعروف، أو نهوا عن منكر! بل إنهم أساءوا إلى الإسلام والمسلمين، سيما ونحن في بلد إسلامي، دستوره كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويُعد مرجعًا ينهل من معينه، طلاب علوم الشريعة الإسلامية من مختلف دول العالم. وما حدث في موسم هذا العام، في مهرجان التراث الوطني بالجنادرية، يجعلنا نتساءل عن أسباب تكرار حدوث مثل هذه الظاهرة: هل هيئة كبار العلماء والدعاة بهذا البلد عجزوا عن إنكار المنكر؟ وهم متهاونون في حدوثه؟ وبالتالي بات تدخل أولئك الشباب أمرًا ملحًا وضروريًا؟! وما دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعضائها الذين كانوا حاضرين؟ وكانت لهم مشاركة قوية في المهرجان؟ في اعتقادي، لعلاج مثل هذه الظواهر المتكررة وبالأخص المتزامنة مع محافلنا الثقافية معرفة مكمن الخلل عند هؤلاء الشباب، والمتمثل في طريقة فهمهم لبعض المصطلحات الدينية بشكل خاطئ، وتصحيحها من لدن هيئة كبار العلماء والدعاة، ليكونوا بعد ذلك شباب إصلاح، وبناء، لا إفساد ولا هدم ينخر في جسد المجتمع. وأيضًا المؤمل من كتابنا، أن يشحذوا أقلامهم للتحذير من تكرار مثل هذه الظاهرة، وأن يعاد النظر مستقبلاً في تسمية أولئك الشباب، حتى لا يساعدوا في تشويه ديننا الإسلامي السمح، والتهجم على أحد العبادات كالاحتساب، بوصفهم «محتسبين» وليكن وصفنا لهم ب «مثيري الشغب» فهي التسمية الصحيحة باعتقادي اللائقة ببعض التصرفات الفردية، التي هي بعيدة كل البعد عن الأخلاقيات التي يؤسس لها الدين الإسلامي الحنيف.