الأصل في الأِشياء أن هناك أرضاً تمنح عليها المحاكم أو كتابة العدل صك ملكية تصبح هي المرجعية الوحيدة لحركة الأراضي بين البائعين والمشترين والراهنين والمرهون لديهم، والنظام القضائي لدينا فيما يخص هذه الأمور من أدق الأنظمة في وزارة العدل وفي الدولة، فكل حركة تتمّ يجري تهميشها في الصك والسجل وهي جميعها محكومة بأرقام وسجلات مضبوطة ودقيقة لا يقلل منها وجود أخطاء بشرية أحياناً في الاسم نتيجة لخط اليد أو في أرقام المساحات أو نقص في المعلومات، ولذلك فإن أي محاولة للتزوير أو بيع الأرض لأكثر من شخص أو أي تلاعب في الصكوك يتمّ كشفه بسهولة بوجود هذه السجلات المنضبطة، ولذلك يصعب على العقل والمنطق تصديق أخبار وحوادث تتعلّق بتزوير كبير وهائل في ظل هذا الانضباط إلا إذا كان هناك تواطؤ كبير وشبكة في الداخل والخارج تعمل خارج هذه المنظومة الدقيقة، وإلا فما معنى أن تباع أراضي قبيلة طويرق في الطائف وهي قبيلة لها شأنها ووضعها وتاريخها المعروف بصكوك تصدر لأشخاص في ميسان وليس في مدينة الطائف التي تقع فيها الأراضي، وما معنى أن تقوم المالية بصرف تعويض لأرض منزوعة لصالح قطار الحرمين بجدة ب 800 مليون ريال لمساحة تزيد عن نصف مليون متر مربع لورثة مالك الأرض الأصلي لتفاجأ بصك آخر صادر قبل ثلاثة أعوام فقط، أوتشطب محكمة الاستئناف بمكَّة المكرَّمة صكاً مزوراً لأرض في حي الغزَّة المجاور للحرم المكّي قيمتها مليار ريال، وغيرها من القصص المتداولة. صدر نظام مكافحة جرائم التزوير قبل أكثر من نصف قرن والعقوبة المشدَّدة فيه لا تزيد عن السجن عشر سنوات وغرامة لا تزيد على خمسين ألف ريال أو بهما معاً، ثم وافق مجلس الشورى العام الماضي على مشروع نظام جديد يغلظ العقوبة ولم يقر بعد، والمزورون بشبكاتهم الكبيرة ونفوذهم يتحركون بثقة شديدة لدرجة أنهم بعين قوية رفضوا حكم المحكمة الجزائية ورفعوه إلى الاستئناف، وفي النهاية تطبق أحكام التشهير بحق الوافدين والمواطنين الذين قاموا بتزوير إقامة أو ختم بعض المحررات الرسمية أو العرفية وتنشر جرائمهم بصورهم وأسمائهم في الصحف أما كبار المزورين بمئات الآلاف من الأمتار وملايينها وبمليارات الريالات فلا أحد يعلم عنهم، وكأن الذي قام بها هو كاسبر الشبح الأليف.