تتناول مسرحية “فيك تطلع بالكاميرا؟” للكاتب المسرحي السوري محمد العطار قصة مخرجة تصور فيلماً تسجل من خلاله شهادات وتجارب لشباب معتقلين في السجون بعد أشهر من اندلاع الثورة السورية، حيث تعاني صراعاً بين قناعاتها وانتمائها إلى عائلة مقربة من النظام. “فيك تطلع بالكاميرا؟” المستوحاة من الظروف التي تشهدها سوريا، عرضت مؤخراً في بيروت في إطار مهرجان الربيع على خشبة “مسرح دوار الشمس”، وأخرجها عمر أبو سعدى، في حين تولت أداء دور الشخصية المحورية فيها ناندا محمد. ويقول محمد العطار (31 عاماً) إن الوضع المأسوي في سوريا دفعه إلى الكتابة. ويروي لوكالة فرانس برس “النسخة الأولى من النص كتبتها في نوفمبر 2011، وكنت مدفوعاً بهاجس شخصي بحت. لم أكن أفكر بالصياغة المسرحية. كان همي في ذلك الحين أن أكتب مدفوعاً بتجارب أشخاص محيطين بي، من معارف وأصدقاء، والبعض منهم مقربون اعتقلوا خلال الأحداث الأخيرة”. عندما كان المسرحي الثلاثيني يسمع تفاصيل حكايات المعتقلين، سكنته رغبة لتوثيق القصص التي سمعها، أو شاهدها، عبر المسرح.. اللغة التي يتقنها. يقول “أنا لست حقوقياً، ولا أتقن قضايا البحث والتوثيق. لكنني رغبت في تسجيل هذه الشهادات المؤثرة جداً، والغنية في الوقت نفسه، بمعزل عن بعدها السياسي”. والشهادات التي جمعها العطار يصفها بأنها “غنية بتفاصيلها الدرامية”. ويقارن ما بين النسخة الأولى من النص والنسخة الحالية قائلاً “النص الأول كان بمنزلة وثيقة، وكان ضعيفاً مسرحياً ودرامياً”. لكن العطار في النسخة الحالية للنص الذي كتبه في مطلع السنة الجارية، أخذ مسافة من فكرة الوثيقة والشهادات الحية، محاولاً أن يخرج من هذا الإطار، ورغب في تقديم “نص مسرحي جيد يضم عناصر مسرحية جيدة قدر الإمكان. لم تعد المرجعية الواقعية مهمة فيها، بقدر ما تروي حكاية قوية ممتعة وغنية”. ويعتبر العطار الذي تابع دراسات في الأدب الإنكليزي والمسرح في دمشق، انه مزج ما بين الحكاية المختلقة والشهادة الحية في النسخة الأخيرة من المسرحية. وجمع محمد العطار، وهو من سكان مدينة دمشق، شهادات شخصياته ذات الميول السياسية المختلفة، من أشخاص مقربين منه، وجميعهم من سكان العاصمة السورية وضواحيها. فيقول “دمشق تضم سوريين من كل أنحاء البلاد”. ويعلل العطار اختيار امرأة بطلة لقصته، وهي نورا المخرجة غير المحترفة التي تجمع الشهادات وتصورها، قائلاً “أظن أنني كنت مسكوناً بفكرة أن دور المرأة عظيم ومدهش في الأحداث الأخيرة على اختلاف موقعها السياسي، أو درجة مشاركتها ومساهمتها، وحتى وجهة النظر التي تدافع عنها”. يضيف “من الأشياء المطمئنة ضمن جملة القلق والتوتر والمصير الغامض على المدى القريب التي تنتظر سوريا، أن ثمة أشياء أنجزت بالفعل. وواحدة منها أن المرأة باتت تقول رأيها بصوت أعلى من قبل وتأخذ مساهمتها في عملية التغيير شكلا أكثر وضوحاً وفاعلية يبشر بعملية تحرر أوسع اجتماعياً وثقافياً. ويأتي ذلك متلازماً عضوياً بعملية تحرر ديموقراطي سياسي”. ويعتبر أنه، عندما كتب النص، تأثر من دون شك بمرجعيات واقعية، إذ أعاد اكتشاف صديقات ونساء من محيطه. يقول “الصديقات والنساء من حولي كن ضعيفات ومستكينات ومستسلمات وفي لحظة عصيبة بتن أكثر إرادة وتصميماً وصلابة وجرأة، وفي الحقيقة هن يحاربن على جبهتين”. ويتابع “في حين أن جميع السوريين يناضلون من أجل حياة أفضل ونصيب أكبر من حرية التعبير وظروف معيشية أفضل، تناضل المرأة في سبيل دور تستحقه وصوت عال كانت محرومة منه الى حد ما وكذلك علاقة افضل مع شريكها. في الحقيقة، نحن في مجتمع ذكوري بطريركي ونعتبر أن المرأة غير مهمة بينما هي في غاية الأهمية، وربما كل ذلك أثر بي ما دفعني إلى اختيار امرأة بطلة للنص”. ويرى أن مسرحيته ليست تحية إلى الثورة السورية “بل هي بمنزلة تحية إلى كل السوريين، إذ تقدم نماذج مختلفة من السوريين الواقفين على مسافات مختلفة من الثورة، أو من الأحداث السياسية. فلكل شخصية في المسرحية رأيها الخاص، وليس لدى الشخصيات الاقتناع نفسه واليقين نفسه. لكنهم يتشاركون القلق والتوتر والتوجس، وبهذا المعنى هي تحية لكل السوريين المعنيين بمستقبل افضل لسوريا”. ويشدد الكاتب على ان “المسرحية ليست بعيدة عن اللحظة السياسية الحالية وفي الوقت عينه هي نص مسرحي، وهي تعبير فني لكنها ليست بروباغندا”. يضيف “هذا لا يعني أننا كأفراد لا نملك انتماءات سياسية، لكننا في المسرح معنيون بأن نقدم عرضاً مسرحياً جيداً. فما قيمة عرض مسرحي سياسي إذا كان رديئاً، أو مملاً، وضعيفاً فنياً؟ ما يشغلني أن تكون صيغة العمل الفنية راقية ومحترمة وعالية”. ويتابع “نحن كفريق عمل مختلفون بآرائنا السياسية، لكننا نتفق على تقديم عمل جيد”. وكانت مسرحية “فيك تطلع بالكاميرا؟” قد عرضت في كوريا الجنوبية الشهر الفائت. أما العرض الأول في العالم العربي فكان في بيروت، ومن المتوقع أن يسافر فريقها لعرضها في سويسرا وألمانيا. ولمحمد العطار الحائز على ماجستير في “دور المسرح السياسي والاجتماعي: المسرح مع الفئات المهمشة” من جامعة غولدسميث في لندن، نصوص مسرحية عدة منها “انسحاب” و”سماح” الذي كتبه مع نزلاء سجن الأحداث في دمشق، و”اونلاين” وغيرها. وقد ترجمت بعض نصوصه إلى الإنكليزية. ناندا محمد أف ب | بيروت