يقع توفيرها في السعودية على عاتق (البلديات)، وبأحجام مختلفة؛ تتلاءم مع طبيعة المكان الموضوعة فيه. كانت تُصنع من الحديد فقط، ومع ارتفاع سعر هذا المعدن النفيس- ولمآرب أخرى- صُنعت صغيرات الحجم من البلاستيك المقوّى. تطلى غالباً باللون الأصفر، ويكتب عليها بالأسود، ولا يزال بعض المراهقين يرونها إحدى ساحاتهم الإبداعية و(سبورات) همومهم وشجونهم وسخرياتهم أحياناً. الكثير يعرف عن (حاويات النفايات) ما تضمّنته السطور السابقة، ومن الطبيعي ألاّ يعرف أكثر من ذلك؛ فعلاقته بها لا تتجاوز- على أحسن تقدير- علاقة عاملة المنزل بها أو عامل النظافة الذي يزورها في اليوم مرّة واحدة قياماً بواجبه الوظيفي. وقليلون أولئك الذين تجاوزوا تلك المعرفة – قصداً أو مصادفة – فرأوها محور (عالم) آخر؛ يتوارى عن العيون من سوء ما آل إليه؛ أيبقى- حياته – على هذه الحال أم يبيع ما لا يباع ديناً وخُلقاً ووطناً وعُرفاً! على حاويات النفايات يعيش (خَلق) كثير، منهم (أناس) إلاّ أنهم ليسوا كذلك في نظر مجتمع آمن بأن وجودهم رابع المستحيلات، وأنهم خُرافات تُستمال بها القلوب المرهفة، لتُجنى الأموال الطائلة من عطايا (عواطفها). هكذا يعتقد؛ وليس الرائي كمن سمع، وكذب ما سمع على أنها كذبة أبريل، أو ضحك على أنها نادرة تستحق أكثر من الضحك. يُفضّل مالكو المطاعم المشهورة- حيث الحركة الاستهلاكية الكبيرة- أن تكون (الحاويات) في الخلف؛ احتراماً للزبون الذي (يشمئزّ) من مجرد النظرة إليها، ولأن تلك المطاعم مشهورة بما لذّ وطاب مما ينصر (البطن) على (العقل) اضطرّت البلدية أن ترصف الشارع الذي يقع خلف كلٍّ منها بأكثر من حاوية عملاقة؛ ف(بطن) الواحدة لم يعد قادراً على استيعاب ما يفيض من طلبات الزبائن. غير أن (فرعاً) لأحد تلك المطاعم لم يجد مكاناً لرصفها في الشارع الخلفي، فاضطر إلى ركنِها جانبه في الشارع الرئيس، ولأن هذا الفرع قريب من (حيّ) يئنّ تحت (جزمات) الفقر انكشف ذلك العالم المأساوي للعيان؛ فلم تعد الحاويات – آخر الليل – حكراً على القطط وبعض الحيوانات الصغيرة، بل شاركها غيرهم بحثاً عن (لقمة) العيش المهين، من أجل البقاء ولو على (هامش) التناسي والإهمال. أُسَرٌ كثيرة تعولهم تلك الحاويات، حيث لا عائل لهم سواها، يقوم القائم عليها بالتنقيب، لا طمعاً في (علبة) معدنية ثمينة ولا (كرتون) يتنافس فيه المتنافسون؛ كلّ ما يرجوه (كسرة) خبزة أو (قطعة) لحمة تكفيه وأسرته إلى غدهم الذي ليس بأفضل من يومهم لولا الأمل. ولأنهم أغنياء من التعفّف حسبهم (المجتمع) غير موجودين أصلاً، وأن قصصهم تندرج تحت القصص الخيالية التي وراءها ما وراءها، ولو نطقت (الحاويات) لبكت قبل أن تُبكيهم بما تعرفه من مآسي غسق الليل. (حاويات النفايات) عالَمٌ آخر، غيبيّ عن المجتمع الذي أراده كذلك، واشمأزّ منه اشمئزازَه من الحاويات نفسها؛ حتى أولئك الذين فتح الله لهم (أبواباً) إلى الجنة – من مالكي المطاعم وموظفيها – لم تعد تهزّهم تلك المواقف، فأمسوا يمرّون عليها ولا يعقلون؛ فهل تموت (الإنسانية) حين تمتلئ (المعدة)؟!