إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده. إنه مثل عربي قديم ولكنه قانون وجودي مثل دورة القمر، وبزوغ الشمس، وكآبة النفس، وغضب الطبيعة، وعسرة الولادة. وفي الذرة وإلى المجرة يحكم هذا القانون مدارات الفلك، وسحابة الإلكترون، وغمامة الروح، وانفجار الأمراض، واندلاع الثورات. في قانون الميكانيكا يعدّ القانون الثالث أنموذجاً لهذا إن كل قوة لها قوة مضادة معادلة في القوة ومضادة في الاتجاه. ومنه في حوادث السيارات نلاحظ أن أسباب ارتطام الجمجمة في الواجهة الأمامية سببها الارتداد بعد الضربة. تأتي الضربة من الأمام فيرتد الجسم إلى الخلف، وتنخلع الرقبة إلى الخلف، ثم يرتد الرأس إلى الأمام تحت قانون نيوتن الثالث في الميكانيكا فيصدم الرأس لوح الزجاج الأمامي. ومنه ابتكر مهندسو الطرقات والسيارات حزام الأمان وكيس الانتفاخ وما شابه لأمان السيارة لإدراكهم هذا القانون في الحياة: قانون الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده.أي شيء على الإطلاق سواء في حركة الذرة أو دورة الفلك أو الحكم السياسي يقود إلى نفس النتيجة، ومنه قال القرآن في سورة المائدة: وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا. ثم تاب الله عليهم. ولكن بدون فائدة فلم يستفيدوا من الدرس، لذا كبوا على وجوههم من جديد فيكرر القرآن اللفظة من جديد: ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون. التدين مثلاً قد يقود إلى التقوى أو التعصب حسب جرعة الفهم فيتحول إلى الطقوس وينسى البر والرحمة، فيصبح الدماغ أقسى من الحديد وحجر الصوان. في جراحة الأوعية نحن نعي تماماً هذا القانون في الخياطة، فأي تضييق يقود إلى انسداد وفي أحسن الأحوال إلى انتفاخ لاحق. وفي علم النفس السلوكي يقرر (سكينر) في كتابه (خلف الحرية والكرامة) أن المشاعر ليست قوى استاتيكية ثابتة بل متحركة وتؤثر ببعضها بعضاً؛ فالشعور بالإحباط يقود إلى العدوانية، وهذه بدورها تقود إلى الجريمة. حين رأيت المريض في الطوارئ مضروباً بالخرطوشة في ركبته تعجبت من هول الجريمة، فقد دخلت في ركبته من (الخرادق) الصغيرة أكثر من مائة فلم تترك مكاناً في حفرة الركبة الخلفية إلا وجعلته كالغربال، وكانت عمليته نوعاً من التحدي المرير في سباق لإنقاذ الطرف من بتر محقق. نفس الشيء في علم الاجتماع حين يجتمع الفساد مع الاستبداد فيصبر الشعب على المذلة والنهب إلى حين، حتى يتبلور عنده وعي الثورة فيثور. هذا ما حدث في سورية، فقد تمكنت عصابة من كارتل المافيا كما وصفت مجلة در شبيجل الألمانية الوضع حين التهمت مفاصل الدولة، أو بتعبير القرآن المكرر «ثم عموا وصموا» حتى جاءهم الطوفان فيقولون «هل إلى مرد من سبيل».