صالح إبراهيم الطريقي *نقلا عن "عكاظ" السعودية حين تتأمل هذا السقوط المتسارع، ستجد أن هناك عاملا مشتركا واحدا يربط ما حدث في تونس ومن ثم مصر وأخيرا في ليبيا التي بدأ يهرب طياروها الحربيون إلى دول أخرى؛ لأنه لا يمكن لإنسان يملك ذرة من الإنسانية أن يطلق الصواريخ على مواطنيه. قلت حين تتأمل الأمر ستجد أن كل هذه الشعوب يربطها عامل واحد مشترك وهو: البحث عن حياة كريمة وعمل يؤمن لهم قوتهم وقوت أبنائهم، لا أكثر ولا أقل. هذه الطلبات التي تبدو صغيرة جدا وواقعية هي من جعلت غالبية الشعوب تخرج للشارع مطالبة بالتغيير، هذه الشعوب ليس لديها أطماع سياسية كالأحزاب المعارضة التي تحاول الشوشرة أو تشويه الحكومة بحثا عن السلطة، أو مزيد من المكاسب في صندوق الاقتراع، فقضيتهم فرصة عمل يجلب لهم رغيفا وحياة كريمة ليس إلا. هذه المطالب الصغيرة هي وحدها من يحقق لأي وطن الاستقرار، وبدون هذه المطالب الصغيرة تصبح حياة وموت هؤلاء متساوية بالنسبة لهم، لهذا يمضون إلى النهاية بحثا عن أمل جديد، أو نظام جديد يحقق لهم هذه المطالب الصغيرة جدا. قد يبدو الأمر مثيرا للضحك إذ يقال: هل يعقل أن يسقط نظام عسكري بسبب وظيفة عمل؟ للأسف هذا يحدث لأن المطالب الصغيرة جدا هي نتيجة لأن قلة من المجتمع قرروا أن يستولوا على كل شيء، ويحتكروا كل شيء، وقفزوا فوق القانون ولم يعد قادرا على أن يطالهم، وأصبحت مصالحهم الشخصية أهم بكثير من المصلحة العامة، وبسبب هذا اختفت الطبقة الوسطى في المجتمع، ولم يبق إلا طبقة غنية جدا أقلية تحكم طبقة فقيرة جدا وغالبية. خلاصة القول وحسب النظم التي تساقطت تباعا وسريعا، يخبرنا هذا السقوط أن القضية ليست في نوع النظام، بقدر ما هي مرتبطة بما الذي يقدمه النظام للشعوب؟ وهل يحافظ النظام على الطبقة الوسطى ويجعلها غالبية مطلقة ليكسب من خلال هذا العمل الاستقرار، أم يدفعها للفقر فتصبح حياتهم كموتهم فيثورون إما ليغيروا هذه الحياة التي سلبتهم كرامتهم، أو يرحلوا عن مثل هذه الحياة التي لا تطاق؟ بعبارة أكثر دقة: إن ما يحدث من قلاقل وثورات هي بسبب غياب فرصة عمل لإنسان يريد أن يعيش حياة كريمة، وحين لا يحدث هذا إما أن يتحول لسارق إن كان أقلية في المجتمع أو يصبح ثوريا يقودها ثوار أحرار وفقراء، هذا كل ما في الأمر ليس إلا.