أوضح الدكتور محمد عبيد أن الأيديولوجيا تسهم في تشكيل المعاني والمفاضلة بينها، لافتاً إلى أن تعدد المعاني إما أن تفرضه طبيعة النص، وإما أن تفرضه عقيدة القارئ وأيديولوجيته. جاء ذلك في محاضرة ألقاها عبيد في نادي مكة الأدبي أول أمس الثلاثاء، بعنوان «اللغة والأيديولوجيا: قراءة في أثر المعتقد في التحليل النحوي». وأشار عبيد إلى أنه يقصد بالأيديولوجيا في محاضرته أبسط معانيها، وهو الفكر والمعتقد، مبيناً أن الأيديولوجيا كثيراً ما توظف خصائص اللغة العربية، من تنوع العلامة الإعرابية، والتركيب، وعوارض الجملة لتحوير المعاني، وإسقاط المعتقدات عليها. وساق عبيد شواهد على رؤيته هذه، مستعرضاً جوانب من تأثير المعتقد على التحليل النحوي في النزاعات الكلامية، حيث تحدث عن تأثير المعتقد في توجيه المادة المعجمية، ذاكراً الخلاف في قراءة «الصور» في قوله تعالى «يوم ينفخ في الصور»، حيث قرأها المعتزلة «الصور» بضم الصاد اعتماداً على قراءة شاذة لابن عباس، وانسجاماً مع مذهبهم في نفي السمعيات من الميزان، والصراط، والصور، ونحوها. كذلك في قوله تعالى «وإذا فرغت فانصب»، حيث قرأها بعض الشيعة «فانصِب»، بكسر الصاد، أي «فانصب علياً إماماً»، لنصرة مذهبهم القاضي بولاية علي، وأحقيته بالإمامة. وتحدث عبيد عن أثر المعتقد في توجيه التركيب، ممثلاً بالخلاف في قراءة قوله تعالى «وكلم الله موسى تكليما»، حيث قرأ بعض المتكلمين لفظ الجلالة بالنصب، لنفي صفة الكلام عن الله، محتجين بأن كلام الله لا يتجزأ، وعليه فلو جاز أن يكلم الله موسى لكان كلمه بمطلق كلامه، ولترتب على هذا إحاطة موسى بكلام الله الأزلي، واطلاعه على الغيب، وهذا ممتنع عقلاً. وتعرض عبيد لجوانب من أثر المعتقد في توجيه الضمير، مستشهداً بالخلاف في توجيه الضمير في الحديث الشريف «خلق الله آدم على صورته». وطالب عبيد في آخر المحاضرة بتدريس هذه القضايا التأويلية للطلاب حتى يتمكنوا من كشف الأيديولوجيات الكامنة خلف قراءة النصوص.