سأستعير هنا مقولة نزار قباني: «القصيدة تكتبني.. ولست أنا الذي أكتبها».. نعم.. القصيدة هي التي تهبط عليّ كما يهبط عصفور صغير على غصن، أو كما تهبط غيمة على كتف.. لهذا فإن القصيدة هي التي ترتدي الفستان الذي يعجبها، وأنا لست «خياطًا» لكي أنتقي لها فستانها.. كما أنني لا أفرق بين قصيدة شعبية وقصيدة فصيحة، المهم عندي ليس الشكل وإنما الوهج الشعري.. إن مقطعًا يسيراً من قصيدة «مو حزن» لمظفر النواب، ليعدل قصائد طويلة عريضة مكتوبة بالفصحى ومستوفية لكل الشروط الشعرية ما عدا الوهج ونيران الشعر المقدسة.. الشعر عندي هو ذلك الذي يضرم في روحك سعيراً فاتناً ويضيء أقماراً عصية على الانطفاء في أفق حياتك، الفرق لا يكمن في الشكل، وإنما في البوح الصادق، في الحرائق الجميلة التي يتركها النص سواء كان مكتوبًا بالفصحى أو كان مكتوبًا بالمحكي.. ولهذا أرى أن نصي الجميل والأثير إلى نفسي ذلك الذي يمثلني كما يليق بسعيري الداخلي، ولا يكتفي بملامسة السطح من المشاعر، الذي حين يقرؤه المتلقي يشعر أنه يمثله ويمثل حرائقه العصية على الانطفاء.. إن القصيدة البيتية موجودة في النبطي وفي الفصيح، ومن الصعب إلغاء قصيدة لعبدالله البردوني لأنها بيتية، ومن الصعب القفز على نص للشاعر فهد عافت لأنه بيتي.. أنا لست معنياً بالشكل، فالشكل عندي مثل المعطف، والمهم هو ماذا يوجد داخل ذلك المعطف، هل يوجد جسد رشيق، لدنٌ، مثقل بالثمار البهية ومدجج بنيرانه الشهية.. أم أنه محض كتلة من اللحم الفضفاض المترهل؟