لفيروز مسرحيات كثيرة، وثلاثة أفلام سينمائية، وسهرة تلفزيونية طويلة بعنوان قصيدة حب، في كل هذه الأعمال، ظلت فيروز بلا حبيب، الحبيب في كل هذه الأعمال، إما وهم متخيل، أو سراب يُلاحق ولا يُمسك، أو مناضل يبدأ العمل برحيله وقبل أن يعود تنزل الستارة، هل كان لغيرة عاصي الرحباني على فيروز الزوجة والحبيبة، دخل في هذا الأمر، أم أنها الصدفة، أم أن الأخوين رحباني أرادا لفيروز أن لا تنحاز لرجل بعينه، يمكن أن يظهر، ويتجسد، في العمل التمثيلي، وهو ما يمكن للأغنية استيعابه، لأن الحبيب في الأغنية لا يتجسد إلا عبر خيالات الكلمة والموسيقى والمستمع، فهو موجود بتعدده، وبتعدده مفقود أيضاً؟! فكرت طويلاً باحتمال رابع فلم أحصد زرعاً، جلست أقلّب الاحتمالات الثلاثة في العقل والقلب طويلاً، أقلها حظاً في البقاء: الصدفة، لكني لا أنفيه، ولا أغيّبه، لأن ظهور الأخوين رحباني لفيروز، وظهورها لهما، أجمل وأغرب صدفة فنية، على الإطلاق، فقد كان يمكن لعبقرية كل من الثلاثة أن تفقد الكثير من بريقها، لو لم يتم مثل هذا اللقاء، أو حتى لو لم يكن أحد الثلاثة لبنانياً، مثل هذه الصدفة احتاجتها عفاف راضي في مصر، وحين لم تحدث فقدت عفاف راضي كل شيء تقريباً، وكان يحتاجها سيد درويش، ولو حدثت لشغل الدنيا أكثر بكثير مما هو شاغلها اليوم، لكني أستضعف الصدفة، لأن الرحابنة، كانوا يهتمون بأدق التفاصيل: أحاديث فيروز الصحفية، وقفتها على المسرح، طريقة مشيتها، وماذا ترتدي، وكيف تخرج من العرض، ويوم لحن لها محمد عبدالوهاب، تدخلوا في الألحان، قالوا: «خفنا أن تتمصّر»، وقال عبدالوهاب: «تدخلهم منح الموسيقى نكهة أجمل، لكني لا أحب أن يتدخل أحد في موسيقاي»، ف»سكن الليل» عند «جارة الوادي» بعد دعوة «اسهر بعد اسهر» مباشرة! احتمال غيرة عاصي، كبير وقائم، كانت غيرته شهيرة، شاهرة سيفها دوماً، اشتكى منها حتى الشعراء الذين كتبوا لفيروز، مات عاصي وفي نفسه شيء من جوزيف حرب: كتب في فيروز أم لها؟! لكن حتى لو صح الظن، ورجح الاحتمال، فإنه دليل آخر على عبقرية الأخوين رحباني، وتأكيد لقوة الاحتمال الثالث: تقديم نجمة حقيقية، نجمة حين نكتبها، يميل المجاز لما يسطع في السماء، لا إلى صوتها المشع على الأرض، روح تقترب، وجسد يغترب!